الخوف من الحب, هل يشعرك الحب بالانزعاج؟

الحب عاطفة جد مهمة بالنسبة للإنسان تعمل على استمراريته وحفظه من الانقراض, لقد وضع الله عز وجل فينا عاطفة الحب لنستطيع العيش ولنهتم لأمر بعضنا البعض ولنستمر في التناسل والتكاثر, فبدون هذه العاطفة لن تهتم الأم برضيعها فهي لا تحبه, بل لن تسعى للحمل, بل لن تتزوج منذ البداية, فلا أحد سيقبل العيش تحت سقف واحد رفقة شخص دون أي هدف في ظل غياب عاطفة الحب.
إلا أنه يحدث أحيانا أن تشكل هذه العاطفة المرغوب فيها بعض المشاكل لبعض الأفراد من قبيل الشعور بالنفور والذنب والتوتر أو الغضب وكره الطرف المحب حتى وإن كان شريكا للحياة فعلا, وأنا هنا أقصد الحب بين الرجل والمرأة.
قد يظهر أحد الزوجين تصرفا مقيتا للطرف الآخر إن هو قال له كلاما طيبا يعبّر فيه عن حبه, ويتم تفسير الأمر عادة على أنه قسوة أو خجل. إلا أنه في واقع الأمر لا يكون التفسير الحقيقي خجلا أو قسوة بل تفسيرا أكثر عمقا يعود لسنوات الطفولة الأولى.
هنا بعض من الأسباب التي يمكن أن تفسّر سر انزعاج البعض من الحب.

آليات الدفاع النفسي:
تعد مرحلة الطفولة هي المرحلة التي نستكشف فيها العواطف ونختبرها, ويكتسب الطفل الحب والأمان من طرف والديه أو من يتولى العناية به, وعند تعرض الطفل لسوء المعاملة من طرف من يفترض أن يتولوا الاهتمام به وأن يظهروا حبهم له فإنه قد يكبر بثقة مزعزعة بمن حوله.
ولنفترض طفلا يظهر والداه حبا جما له إلا أنهما عندما يسيء التصرف يعاقبانه بقسوة مبالغ فيها, هذا الطفل قد يشعر بالتوتر لاحقا من الأشخاص الذين يظهرون له الحب لأنه تعلم أن من يحبه قد يسبب له الألم, وبالطبع فإن هذا النفور من الحب يكون لاواعيا كآلية من آليات الدفاع النفسي, فالشخص لا يدري أنه يخاف الحب بسبب والديه اللذين كانا يسيئان إليه بالصغر.

أحيانا يكون الموضوع أكثر ضررا كأن يتعرض الطفل للإعتداءات الجسدية أو العاطفية أو الجنسية بشكل مؤثر على صحته النفسية ومدى تقبله للآخر, فلاشعوره حينها في محاولة لحمايته يصير تقبله للحب جد صعب بل يتأثر تعامله اليومي المعيشي مع الآخرين بشكل معيق للحياة.

أزمة الهوية:
يعد هذا المصطلح من بين أهم المفاهيم التي أتى بها إريك إريكسون, ...حسب إريكسون فهي تمثل فشل المراهق في تحقيق هوية الأنا فيعيش المراهق وسط خضم التساؤلات الوجودية المؤرقة حول من يكون فعلا وما هدفه في هذه الحياة ولماذا هو موجود... يساهم الوسط والأبوان في بلورة هوية الطفل, ونجد أزمة الهوية تنتشر أكثر بين الشباب الذين يحملون جنسيات أو ديانات مختلفة إلخ...عن البلد المقيمين فيه.
حسب إريكسون فإن المراهق الذي يقع فريسة أزمة الهوية لا يستطيع الانتقال للمرحلة اللاحقة التي تتمحور حول الحب, إذ بدل أن يتحول لفرد متحمل لمسؤولية قراراته يخاف المراهق الذي يعاني أزمة الهوية من تحمل المسؤولية وفقدان هويته, لذا فإن الصراعات بين الجنسين نجدها أكثر بين صفوف المراهقين, فقد يضايق المراهق فتاة بسبب سخطه من كونه يحبها, إذ يشكل هذا الحب بالنسبة له تهديدا لأناه.
في حين أن الشاب الناضج لن يشعر بأي تهديد, والأمر ذاته ينطبق على الأنثى.
فحتى إن تزوج صاحب أزمة الهوية فإنه سيتصرف من حين لآخر بعنجهية اتجاه شريك حياته إن هو أظهر له اهتمامه أو حبه, فيصرخ الزوج في وجه زوجته التي تعبر له عن حبها مثلا, وقد تتهرب الزوجة من الكلام الطيب الذي يردده لها زوجها.

اقرأ عن أزمة الهوية

الخوف من التحكم:
قد يقلق الشخص من التعرض للتحكم من طرف من يحب ويصير أكثر ضعفا اتجاهه وتتغير حياته على نحو لا يرضاه, لدى هو يفضل الهرب من الحب على أن يتعرض للتحكم من الحب الذي يجعله أكثر ضعفا.

الخوف من الفقدان:
يقلق البعض أيضا من الشعور بالفقدان والتخلي إن هم وقعوا في الحب واختبار إحساس مؤلم ربما سبق وتعرضوا له في حياتهم يوما ما كفقدان شخص عزيز أو تخلي أحد الأبوين للطفل أو الخروج من علاقة فاشلة لا يرغبون في تكرارها.
هم مرهقون نفسيا ولا يودون تجربة نفس المشاعر المؤلمة مرة أخرى لذا يفضلون عدم خوض غمار الحب, وهذا لا يمنع أن يتزوج هذا الشخص لكنه سيسعى للزواج من شخص لا يحبه لتستمر الحياة.


انخفاض الثقة بالنفس:
للأسف فإن كثيرا ممن يعانون من تدني الثقة بالنفس لسبب من الأسباب تراودهم مشاعر بالحزن والأسى عندما يتم التفوه بكلام طيب في حقهم, هم يشعرون أنهم لا يستحقون التقدير أو الحب, وقد لا يرغب الواحد فيهم سماع مديح أو تقدير, بل لن ينزعج من كلام التقريع كانزعاجه من كلام التقدير, لأن ما يسمعه من كلام طيب بحقه لا يتناغم وما يشعر به فعلا مما يثير فيه مشاعر الحزن.

التعلق بالآباء:
حسب بعض الإحصائيات العربية فإن ما تتراوح نسبته بين 30 بالمائة من مجموع حالات الطلاق سببه التعلق الزائد بالأم.
من الطبيعي أن يتعلق الإنسان بوالديه حتى بعد الزواج إلا أن هذا التعلق قد يزيد عن حده الطبيعي ليصير تعلقا مرضيا فلا يشعر الشخص البالغ بالأمان إلا رفقة والديه, بل وقد يتصرف كأنه عاجز كالأطفال وبحاجة للرعاية حتى في أتفه أمور حياته, فتقوم والدته بخدمته وتقديم المشورة له وتحديد قرارات مصيرية في حياته رفقة والده هو أدرى بها منهما كأمور الدراسة والعمل والزواج.
طبعا سبب هذه الظاهرة عائد لخلل في التنشئة بحيث يتولى الآباء كل تفاصيل حياة أبنائهم ويعاملونهم معاملة الأطفال مدى الحياة.
الحب يثير لدى هؤلاء الشعور بالخوف والتوتر من عواقب هذا الحب الذي قد يبعده عاطفيا وجسديا عن أمه أو أبيه أو كلاهما ويهدم العالم الفانتازي الذي يحيطه به والداه.

الشعور بالذنب:
لكل شعب ثقافته الخاصة, ولابد وأن للثقافة العربية خصوصية تختلف عن بقية الشعوب...إننا إذا ما ألقينا نظرة في الثرات الإسلامي وفي الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإننا نجدها تزخر بذكر الحب بشكل عام بين الإخوة والأهل والأصحاب وبحثّ المتحابين على الزواج.
إلا أن دخول ثقافات لشعوب لا ترى غضاضة من الممارسات الجنسية خارج إطار الزواج بين المتحابين عن طريق وسائل الإعلام من أفلام وأغاني وغيرها, دفع البعض لتغيير خطاباتهم اتجاه عاطفة الحب التي صارت فجأة حراما والمقصود طبعا ما يتم الترويج له من علاقات غير شرعية وليس الحب كعاطفة.
لقد كان فيما مضى بطبيعة الحال كل شيء ميسرا فالعمل ميسر والزواج ميسر عكس عصرنا الحالي حيث لا أحد يتزوج أول شخص يحبه بسبب المعيقات العديدة والمتطلبات الحياتية كإتمام الدراسة النظامية التي لم يكن لها وجود في القرون الماضية والبحث عن العمل والسكن وغيرها من متطلبات مستجدة..لذا تكون عاطفة الحب عقيمة في هذه الحالة لا تؤدي للزواج مباشرة أو قد تؤدي للمحظور.
 ما حدث إذن باللاوعي هو حصول تعميم فصار الحب يقترن بالزنى والعيب, فما كان من بعض العرب إلا محاربة هذه العاطفة بشكل عام, فالعقل اللاواعي لا يميز بمنطقية بين مختلف المواضيع بل يلجأ للهروب والشعور بالذنب كلما شعر بعاطفة الحب خوفا من الوقوع في المحظور حتى وإن لم يكن هناك محظور أصلا, كمن يخاف من الحبال كخوفه من الأفاعي, فقد تسأل الزوجة زوجها ما إذا كان يحبها فيجيبها بأن سؤالها عيب وأن عليها الخجل من نفسها, فرغم أنها زوجته يبقى ذلك الخوف من الحب والنظرة التحقيرية له على أنه خطيئة حاضرة في لاوعيه.
وكذا الشعور بالخجل والإحراج والخوف والشعور بالذنب من ممارسة الجنس من طرف بعض الفتيات المقبلات على الزواج, فقد تتهرّب الفتاة من الحب خوفا من أن يقود هذا الحب للزواج ومن تم ممارسة الجنس الذي يتم التحذير منه طول الوقت, فرغم أن عقلها المنطقي يميز بين الممارسة الجنسية الحلال بين الزوجين والحرام خارج إطار الزواج إلا أن اليد الطولى تكون للعقل اللاواعي الذي لا يستطيع التمييز والذي يسعى للهرب من الحب المفضي للجنس ككل سواء في الحلال أم الحرام.

إن أسباب الخوف من الحب والشعور بالتوتر عديدة ولكل فرد أسبابه الخاصة التي قد تبدو ظاهريا متشابهة ولكنها تختلف كل الاختلاف عن الآخرين.

تعليقات

  1. شكراً موضوعك جميل جدا💖
    "تختلف كل الاختلاف عن الآخرين" هل من الطبيعي أن يتصف الشخص الواحد بأغلبها ؟!

    ردحذف
    الردود
    1. هذا مؤكد.
      مثل ذاك الرجل المريض الذي يعاني من الآلام والوهن بسبب أمراضه المتعددة من سكري وارتفاع ضغط الدم وآلام بالمفاصل وأمراض بالقلب...
      قد تجتمع عدة عقد نفسية بشخص واحد أيضا

      حذف
  2. طرح رائع ومستفيض كعادتك عزيزي!

    ردحذف
  3. طرح رائع كالعاده سلمت يمناك
    اتوقع وجدت نفسي في حالة"أزمة الهوية" في ايام الثانويه و بالفعل كما ذكرت بسبب اختلاف هويتي
    على اية حاله تمنيت لو انك اطلت لان الموضوع رائع

    ردحذف
    الردود
    1. أهلا بك
      إن شاء الله سأستفيض في الحديث عن أزمة الهوية في موضوع مستقل

      حذف
  4. مقالة رائعة
    لكن يا جواد
    متى سوف تكتب عن mbti في عصر الجاهلية الجزء الثاني؟
    لقد وعدتنا بأن تكتبها من بعد رمضان مباشرةً

    ردحذف
    الردود
    1. ههههه لقد علقت سأحاول إن شاء الله إن وجدت أفكارا

      حذف
  5. شكرا سيدي على الموضوع. اضن أنني اعاني الخوف من الفقدان و لذالك افضل الوحدة على عكس من هم في متل سني و افضل الزواج من شخص لا احبه حتى اذ وقعنا في مشكلة افكر بعقلي لا بقلبي. هل تفكيري سليم ؟

    ردحذف