الشخصية السلطوية الاستبدادية

نمط الشخصية السلطوية هي نظرية من نظريات الشخصية قام بصياغتها مجموعة من علماء الاجتماع بخمسينيات القرن الماضي بعد ظهور أنظمة شمولية كالفاشية والنازية, والعنصرية والتمييز والتحيز... إذ عرف منتصف القرن الماضي انتشارا غير مسبوق لبعض الطبائع البشرية التمييزية والاستبدادية بأوربا, مما حذا بعالم الاجتماع ثيودور أدورنو (1903 - 1969) وفريقه لإجراء دراسة نشرت لاحقا في كتابهم, تحاول تفسير هذه السلطوية والعنصرية وذلك بتحديد سمات خاصة بالشخصية الاستبدادية كنمط شخصية يؤدي بالفرد لحمل بعض الأفكار وسلك بعض السلوكات التمييزية والعنصرية.

إن نحن أردنا رأي العلم الحالي فإن هذه النظرية صارت جد متجاوزة وتعرضت قبيل نشرها لوابل من الانتقادات العلمية كون الاستبداد والسلطوية مكتسبا من البيئة التي تشحن الإنسان منذ صغره بالسلطوية والاستبداد, وليس نمطا للشخصية, إضافة لكون الاختبار الذي طوره عالم السوسيولوجيا أدورنو وفريقه (Fascism scale) يطرح أسئلة على الفرد حول توجهاته السياسية والفكرية, بحيث يتم تنميط صاحب الأجوبة المحافظة كشخصية استبدادية وسلطوية, رغم جهود أدورنو لفصل ما يمكن تعريفه بالمحافظ عن السلطوي, إلا أنه وعلى ما يبدو لم يوفق...

ارتأيت أن أعرض هذه النظرية لأنها لا تخلو من شيء من الفائدة, ويمكن الانتفاع ببعض جزئياتها.
إذن ما هي الشخصية السلطوية؟
شخصية تتميز بالطاعة العمياء والاعتماد الكلي على زعيم قوي أو شخصية ذو سلطة أبوية, ويكون هذا مصحوبا بتمييز استبدادي ضد الآخرين وخاصة أولئك الذين هم أدنى مرتبة, كما تعرف الشخصية السلطوية ثلاث سمات رئيسية هي: احترام واتباع للأوامر بحذافيرها, التزام صارم بالأعراف, عدوانية اتجاه الأفراد من خارج الجماعة.
إذن ترى الشخصية السلطوية المجتمع على شكل هرمي جامد, في قمته الزعيم القوي المتبع تماما كقطع الشطرنج.
جوانب الشخصية السلطوية:
لتحديد الشخصية السلطوية اعتمد أدورنو على تسعة عوامل رأى أنها مفاتيح الشخصية المضادة للديموقراطية وقد اعتمد في صياغة أسئلة اختبار الشخصية على أسئلة تكشف جوانب كل عامل.

1-  التقليدانية: الالتزام الصارم بالأعراف وتقاليد الطبقة الوسطى.
ربط أدورنو الفاشية بتقاليد الطبقات الوسطى حول العالم, طبعا هذه نظرة أدورنو وفريقه, حيث اعتبر أن التزام الطبقات الوسطى بالتقاليد جد مبالغ فيه ويؤدي للتحيز والتمييز ضد الآخرين, فمواطنوا الطبقات الوسطى يتبعون العرف لمجرد أنه "عرف", فالمواطن لن يعمد على سلوك مضاد لهذا العرف أمام الآخرين حتى وإن اعتقد بصواب ما يفعل.

2- الاستبدادية: اتباع مثالي للأوامر العليا والقوانين.
ورغم أن العنوان يبدو مثاليا إلا أنه يخفي في جعبته جانبا أسودا, إذ حسب أدورنو فإنه تم ربط هذا الاتباع بالعقيدة النازية التي كان جميع المواطنين الألمان يتبعون أوامر قائدهم الأعلى بغض النظر عن صواب قراراته من خطئها, وكذا عدم معارضة القوانين حتى وإن كانت مجحفة, فإن طالب أحد ما بحق من الحقوق فإنه يتم التصدي له من طرف الشخصية السلطوية بدعوى أن القانون يقول كذا وكذا وأن القانون فوق كل مطلب, وبالتالي لايحق له المطالبة بحق يخالف هذا القانون.

3- العدوانية: الميل والاستعدادية لرصد كل مخالف للتقاليد والأعراف ومعاقبته ورفضه.
حسب أدورنو دائما, فإن الشخصية السلطوية تميل للعدوانية اتجاه كل مخالف لأعرافها فهي لا تسعى لمعاقبته قصد حفظ القانون فقط بل يكون شعورها في الغالب "الاستفزاز", فهي تظهر غضبا وحقدا اتجاه من خالف العرف أو القانون وتطالب بتعريضه لأقصى العقوبات بشكل يبدو انتقاميا أكثر منه ردعيا.
لنفترض جدلا أن تمثالا مقدسا وسط ساحة عامة ولمسه ممنوع قانونا, فإن قام أحد المواطنين بلمسه فإن الشخصية السلطوية ستشعر بالاستفزاز والحنق اتجاهه وستطالب بقطع يد الفاعل والتنكيل به, إذن هي لا تعاقبه بل تنتقم منه لإشفاء غليلها.

4- اللاشعورية: اللاموضوعية, الانغلاق الذهني ومقاومة المحفزات الذاتية.
يميل الشخص السلطوي لعدم قدرته على مواجهة مشاعره, لأنه يخشى خروجها عن سيطرته, وهذا ما يدفع بالسلطوي للعيش حياة مادية أكثر منها عاطفية, حسب أدورنو فإن مضاد الديموقراطية عند مواجهته لشكل من الأشكال التي يتقبلها شعوريا ويرفضها العرف والقانون فإنه سيسعى لكبتها لكي لا يخالف شعوره أعرافه, في حين أن الشخص الديمقراطي فإنه لا يجد غضاضة من التعبير عن شعوره المخالف للأعراف...لذا تعيش الشخصية السلطوية حياة ملؤها الكبت للعواطف والمشاعر وتحقيرها.

5- الخرافات والصورة النمطية: الاعتقاد بقوة المسببات الخارجية في تحديد مصير الفرد, وسلوك نمط تفكير جاف
 خص أدورنو الشخصية السلطوية بخاصية التفكير الخرافي اللاعلمي كجانب إضافي يمكن أن نراه فيها, فهي قد تفسر بعض الظواهر على أنها خارج السيطرة وبعيدة على الفهم البشري ولا يمكن لنا فهمها مهما تطورنا بالعلم.
يمثل هذا استكانة وقناعة بما يجري ويدور حول الشخصية السلطوية على أنه خارج قدراتها ويجب تقبله كما هو.

6- القوة والصرامة: الانشغال بالهيمنة العدائية وقطبية قوي-ضعيف.
تؤمن الشخصية السلطوية بقطبية قوي-ضعيف, إذ تقسم الأفراد لأقوياء وضعفاء, وتتبع الأقوى والمهيمن, فالقائد الذي يهيمن على السلطة ويستفرد بها هو زعيم قوي يجب اتباعه, وقد اعتبرها أدورنو مؤشرا على ضعف (الأنا/ ego) لدى الشخصية السلطوية حيث أنها تتبع القوي وتهتف له وتقدسه, وتبالغ في عرض ما تعتبره قوة من طرفه.
تبحث الشخصية السلطوية عن القوة في القائد وتعبر عن ذلك في عباراتها, كاعتبار القائد مدمر للأعداء وصارم مع المخالفين, وسيحطم الآخرين وغيرها من العبارات الدالة على القوة...

7- التدميرية والسخرية: العداء والحط من قدر الإنسان.
 العدوان مجددا, إلا أنه هذه المرة يقصد به أن الشخصية السلطوية عدوانية بطبعها بسبب كم القيود التي تقبلها على نفسها وتنتظر الفرصة السانحة لترتكب عدوانها على الآخرين المخالفين, فتراها تحط من قدر الأفراد الذين يعيشون في كنف مجتمعها من أقليات وتحتقرهم وتترصد لهم الخطأ لتدميرهم والسخرية منهم, قد تحتقر الشخصية السلطوية محاولات الإنصاف والدعاوى لها, وقد تهون من الجرائم المرتكبة, فإذا قامت دولة الشخصية السلطوية بإبادة جماعية لعرقية ما فإنها ستهون من الموضوع وتعتبر التقارير الصادرة حول ما يجري ويدور من إبادة مجرد مبالغات ومؤامرات...وهذا حسب ما رآه أدرونو من أتباع الفاشية والنازية في استهتارهم بجرائم الحرب العالمية الثانية المرتكبة من طرف قياداتهم.

8- الاسقاط: الاعتقاد أن الأمور السيئة والتدميرية مستمرة بالعالم أجمع.
يعد الاسقاط ميكانيزم من ميكانيزمات الدفاع النفسي التي أتى بها فرويد, حيث يسقط الفرد سلوكه الذي يعتقد أنه مشين على الآخر, إذ أن الشخصية السلطوية التي تمارس العدوان والتدميرية تؤمن أن هناك ما هو أسوء مما تمارسه بالعالم أجمع, وقد تبرر تحقيرها لفئة من الناس أو عنصريتها أو تمييزها على أن هذه الفئة تكن لمجتمعها العداء وأن هؤلاء البشر يمارسون العنصرية ضد الشخصية السلطوية ومجتمعها, إذن هذه الشخصية أسقطت سلوكها على الآخرين حسب أدرونو طبعا.

9- الجنس: المبالغة في الاهتمام بالأمور الجنسية.
يرى أدورنو أن الشخصية السلطوية لديها خوف غير مبرر واهتمام مبالغ فيه بالأمور الجنسية, فهي تكره الشواذ بشكل مبالغ فيه, كما أنها ترى أن اهتمام الرجل بالمرأة هو لأمر واحد وأوحد ألا وهو الجنس.
وهنا قد نعود للعدوانية إذ أن الشخصية السلطوية لن ترغب في معاقبة الشاذ جنسيا لمخالفته القانون بل من كره داخلي نابع من شعور الشخصية السلطوية بمخالفة الشاذ للعرف, فهي ستدعو لإنزال أشد العقوبات على المثليين انتقاما منه وليس ردعا له ولغيره.

ملاحظات:
إذن هذه هي جوانب الشخصية السلطوية عند أدورنو وفريقه, وكما تلاحظ فهي ليست بنمط شخصية بقدر ما لها ارتباط وثيق بالبيئة والتنشئة, سنرى انتشار مثل هؤلاء الأشخاص ببعض الشعوب والأنظمة التي تعرف الديكتاتورية, حيث يتم تلقين الأطفال بالبيت والمدرسة أسلوب تفكير مبني على الاتباع الأعمى والاستكانة للأقوى بغض النظر عن شخصياتهم وكمثال كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية, فرغم أنهما في الأصل شعب واحد إلا أن اختلاف النظامين أدى لخلق شعب بشخصية سلطوية في كوريا الشمالية.

 إضافة لهذا فإن العوامل وأسئلة الاختبار مبنية انطلاقا من ثقافة أدورنو وفريقه وقناعاتهم والتي لن تنطبق بالضرورة على ثقافات وقناعات الآخرين, فأسئلة الاختبار تستفسر عن أيديولوجيتك وليس عن سمات شخصيتك...
الاختبار تم تعديله عدة مرات ولن أضعه هنا لأنه ستظهر لك عزيزي القارئ على الأرجح أنك سلطوي كون الاختبار مصمم حسب الثقافة والمبادئ الغربية.

على كل فإنه لو نظرنا من وجهة نظر شاملة دون الدخول في التفاصيل, فإنه من الممكن تعديل تعاريف المصطلحات والعوامل التي جاء بها أدورنو لتناسب ثقافتنا العربية, ليس كاختبار شخصية بل كاختبار انفتاح فكري على ما أظن.

وماذا عنك عزيزي القارئ؟ مارأيك؟

تعليقات

  1. لا أظن أنه نمط شخصية، بل هو أقرب لأن يكون صورة لحالة جمعية.
    شكرا لك على الطرح عزيزي جواد.

    ردحذف