مخرب متعمد في التنمية البشرية

كما قال أحدهم: وتحت كل حجر فيك يا مدينتي مدرب تنمية معتمد.
منذ أن ظهرت موضة التنمية البشرية قبل عقدين من الزمن ونحن نعاني من تكاثر مهول في أعداد المدربين المعتمدين في التطوير الذاتي والذين تطورت أعدادهم بشكل تراجيدي, فاجتاحوا كالجراد المهاجر كل قاعات الندوات والمحاضرات والجامعات, لتتحول التنمية البشرية شغل من لا شغل له, وحرفة وتكسب لمن لا قوت له.
فصديق البارحة بعد أن حضر ورشتين في التنمية البشرية حصل اليوم على الاعتماد أو لم يحصل -لا يهم-, المهم أنه صار كوتش...
فقد استبدلوا الكلمة العربية "مدرب"  ب "coach" كي تبدو لك أكثر اعتمادا لأنها بالانجليزية لغة العلم ونظرية التطور المعتمد...

ورغم أن التنمية البشرية بالغرب هي مجموعة من التقنيات التي قد تساعد الشخص في تطوير ذاته فعلا, بحيث ينحصر تركيزهم على الموظفين بالشركات أو الطلبة بالجامعات, وذلك لتعليمهم طرقا علمية في الاسترخاء أو التواصل مع الآخر لرفع مردود انتاجيتهم..
إلا أن المطورين العرب ماشاء الله قد قفزوا قفزة كبيرة في عالم التطوير الذاتي فهم سيقنعونك بأنك بعد الخروج من محاضرتهم ستكون على أتم الاستعداد لأن تصير عالما كبيرا أو رياضيا لا يشق له غبار أو مليونيرا (مثله تماما).

ولهذا فقد قررت أن أتقمص دور مدرب تنمية بشرية وألقي المحاضرات في التطوير الذاتي لجني بعض المال...

القاعة ممتلئة عن آخرها,

مرحبا بكم جميعا أنا سعيد بحضوركم لندوتي التي ستغير كثيرا من مفاهيمكم والتي ستحسن من أدائكم سواء في العمل أو بين أصدقائكم أو في غرف نومكم.
أخبروني, هل تركتم جميعا هواتفكم عند موظف الاستقبال؟ تعد الهواتف الذكية سببا رئيسيا في تبذير الوقت والطاقات, لذا طلبت من موظف الاستقبال أن يجمع هواتفكم جميعا كي تركزوا بالمحاضرة.

ما بكم تبدون بهذا الكسل!
هيا! انهضوا جميعا بسرعة, انهضوا لا أريد أن أرى أي شخص جالسا انهضوا سنقوم بتمرين.
هيا كلكم ارفعوا يدكم اليسرى عاليا هيا! عاليا عاليا!!
الآن أدخلوا أصبع ابهام يدكم اليمنى في فمكم, هيا فليفعل الجميع ذلك, أنت هناك! لا تخجلي لن تنجحي في حياتك بهذا الخجل.
والآن ارفعوا قدمكم اليمنى عن الأرض.

حسن يكفي اجلسوا الآن, كيف تشعرون؟ ألا تشعرون بالراحة والحيوية والنشاط؟ أليس كذلك؟
هذا أسلوب اسمه الاستشعار الاستغفالي المركزي, طوره الكوتش الألماني ذو الأصل الروسي ايان بارانوف المزداد سنة 1998.

الآن سأطرح عليكم سؤالا, من يريد أن يصير مليونيرا؟ لا أحد؟
حسن قفوا مجددا. هيا! لا تكسلوا, فليحاول كل واحد منكم لعق مرفقه..
لم تستطيعوا؟ حاولوا لا تستسلموا...
أخيرا !!! لقد نجح ذلك الشاب هناك, تمكن من لعق مرفقه, انخلع كتفه وهو يحاول لعق مرفقه, أنت يا بني لديك مستقبل باهر ستصير مليونيرا بلا شك!! لم تستسلم وانخلع كتفك وأنت تحاول لعق مرفقك, أحسنت! أرأيتم ماذا تفعل قوة الإرادة؟ لا مستحيل مع الإرادة..
  من فضلكم فليتصل أحدكم بالاسعاف بسرعة فهو يتألم...

طيب الآن سأعرض عليكم فيديو تحفيزي عن صناعة القادة, تدور القصة حول فتاة شابة أمريكية تمكنت من تغيير حياتها في ظرف بضع سنوات, فبعد أن كانت جيسيكا مومسا غير نظامية تفر من الشرطة كل ليلة بشوارع لاس فيغاس, استطاعت في ظرف وجيز من الحصول على ترخيص للعمل بأكبر ماخور يقوده السيد بيكر, إذ يعد السيد بيكر ملهما لعدد كبير من المومسات والقادة, الذين يتخذونه قدوة..
لن أتكلم كثيرا سأترك الفيديو يتحدث وقد قمت بحذف بعض اللقطات منه لأنها لا تناسب ثقافتنا.
أعلم أنكم تستنكرون المضمون وأنا مثلكم فلكل قوم ثقافتهم وملتهم, لكنني أريد منكم أن تأخذوا الفكرة فقط والتحفيز وكيف أنه لا مستحيل مع العمل المتواصل والكفاح, وأن أهم شيء هو أن لا تستسلم للمحبطات الخارجية, وهكذا قد تصير يوما ما قائدا مثل السيد بيكر.. هذا مع الحفاظ على القيم طبعا إذ يجب على كل واحد منكم أن يتبع دين أمه...وأبيه.

وقبل أن نختم هذا اللقاء أود أن أعرفكم كتابي الجديد الذي نشرته مؤخرا يمكنكم اقتناؤه الآن إن أحببتم, لقد أحضرت نسخا تكفي كل واحد منكم, صحيح أن الندوة مجانية ولكنك لا تستطيع الخروج من هنا دون اقتناء الكتاب كما يمكنك إيجاده بالمكتبات إن لم تتوفر الآن على المال... لابأس, بعد إحضار الكتاب لنا سنعيد لك هاتفك المحجوز عند موظف الاستقبال.
الكتاب ب50 دولارا فقط, هو كتاب من 20 صفحة من الحجم المتوسط, الخمس صفحات الأولى خصصتها للاهداء والمقدمة ونبذة عني, والخمس صفحات الأخيرة للفهرس والمراجع التي يمكنكم إيجادها بمحرك البحث غوغل.

وأخيرا أسعدني حضوركم  وشرفني كثيرا, وقد أخذوا بالاستقبال أرقام هواتفكم لكي نمدكم بجديد الندوات والكتب المهمة ولكي نبقى دائما على تواصل.

شكرا.