كره البشر وبغض المجتمع الإنساني

بغض البشر
كره البشرية أو مسنثروبيا, سمة من سمات الشخصية السلبية التي يمكن وصفها على أنها شعور عميق مستمر لدى الإنسان بالكراهية أو الاشمئزاز أو الازدراء أو عدم الثقة اتجاه بني جلدته, والتي قد تؤدي لتطور بعض الأفكار أو السلوكات العدوانية اتجاه المجتمع أو فئات معينة من المجتمع.

من الطبيعي أن تنتاب الإنسان من حين لآخر مشاعر كراهية مؤقتة اتجاه البشر كرد فعل على أحداث سيئة يمر بها, فكثير من الأصدقاء يصدعون رؤوسنا بعد يوم عصيب بأن الكل بلا استثناء ملعون, إلا أن كاره البشر قد رسخ مشاعر الكراهية حتى في أفضل حالاته, مما يؤدي به لتقليص تفاعله مع الآخرين أو حتى أذيتهم.
بشكل عام تكثر مشاعر الكراهية في الأوساط التي تعيش تدنيا اقتصاديا وأوضاع اجتماعية مزرية.

 أنواع كارهي البشر:
لكل إنسان أسبابه الخاصة وفلسفاته وعواطفه التي أفضت به في نهاية المطاف لتطوير مشاعر الكراهية للجنس البشري.
وقد يكون كاره البشر أحيانا مزيجا من هذا وذاك.

1- عيش حياة صعبة:
قد يتعرض الإنسان في حياته ومنذ نعومة أظفاره لمضايقات وأذية وخيبات أمل من المحيطين به, فيحدث له تعميم ويصير حاقدا ناقما على الجنس البشري ككل...هو إذن كمن يخاف الحبال بسبب عضة أفعى.
أو كالطفل ألبرت الصغير الذي أفزعه فأر عالم النفس واتسون والذي صار يخاف من كل ما به فرو.
لذا ينتشر كره البشر بين العاطلين عن العمل, والفاشلين دراسيا, والذين يعيشون في وسط مجحف ظالم...إلخ

2- الفلسفات التشاؤمية:
بعض الأشخاص من كارهي البشر يحملون أفكارا تشاؤمية حول الطبيعة البشرية, وهي محاولة لعقلنة مشاعرهم.
فهم يرون أن الشر هو أصل الطبيعة البشرية, وأن الإنسان شرير بطبعه.
وقد عرف التاريخ عدة فلاسفة متشائمين ابتداء من الرواقيين الاغريق إلى شوبنهاور, أما بالثقافة العربية فإننا نجد العديد من الشعراء من أصحاب القصائد التشاؤمية الخلابة.
يروج حاملوا الفلسفات التشاؤمية للاانجابية التي تدعوا للحد من تكاثر الجنس البشري.

3- الأفكار والمعتقدات المتطرفة:
من كارهي البشر من يتبنى أفكارا وأيديولوجيات أو معتقدات دينية متطرفة تكرس كراهية البشر.
يمكن للإنسان أن يتطرف في أي فكرة يحملها مهما كانت تبدو سمحة أو داعية للعدل والمساواة والسلام, يمكن أن تنقلب بالنسبة لهذه الفئة أداة لنشر الكراهية ولأذية الغير.
وفي العادة تجد أن حاملي هذه الأفكار المتطرفة يوجهون كراهيتهم لفئة أو فئات معينة من البشر كالكراهية المبنية على العرق, أو الاستعلاء الاثني ethnocentrism: كفكرة تفوق العرق الأبيض مثلا التي أدت لجريمة نيوزيلاندا مؤخرا.
أيضا الأفكار الداعية لكراهية النساء misogyny والأخرى الداعية لكراهية الرجال misandry, والتي يكون غالبية حامليها من المقهورين والمقهورات الذين يبكون ليلا على وسائدهم, وأنا هنا عزيزي القارئ لا أستنقص من آلام أحد ولا أبرر لأحقاد أحد وإنما هي حقيقة عدد كبير جدا من هذه الفئة التي قد تظهر للآخرين متجبرة.
ويلقى دعاة الأفكار المتطرفة بالعادة آذانا صاغية لهم من طرف الشباب صغار السن الذين يعيشون حياة مزرية عموما في مجتمعات غير مستقرة تحمل اختلالات جمة, وبالخصوص المجتمعات السلطوية التي توفر بيئة مناسبة لتفريخ كارهي البشر من المقهورين.
وسأخصص موضوعا مستقلا إن شاء الله حول أثر مشاعر القهر والصدمات النفسية في التطرف.

4- المثالية:
عكس الأفكار المتطرفة, يشعر بعض المثاليون بمشاعر اشمئزاز من البشر لكثرة ما يرونه من تجاوزات وجرائم وأعمال لاأخلاقية, فلأنهم أشخاص طيبوا القلب وأخلاقيون ونبلاء في تصرفاتهم فإنهم يشعرون وكأنهم يعيشون بعالم كالح بسبب الخراب الذي يسببه الإنسان, فيتحولون لكارهين للجنس البشري, وهذا النوع لا يتسبب بأذية الناس بل عكس ذلك قد تجده منخرطا بالأعمال الخيرية, ويكون تعاطفه مع البشر جد مرتفع.

5- المواهب والأفكار المختلفة:
أحيانا يشعر بعض أصحاب الاهتمامات والأفكار المختلفة بأنهم غرباء بين الناس, فلا يطيقون التواجد مع البشر ويطورون كراهية للبشر بسبب عدم إيجاد من يستطيع فهمهم أو مقاسمتهم أفكارهم واهتماماتهم.

6- الاضطرابات النفسية:
كره البشر ليس اضطرابا نفسيا بحد ذاته ولكنه قد يكون عرضا مصاحبا لبعضها, حيث أن من بين أعراض بعض الاضطرابات النفسية إظهار اشمئزاز ونفور وعدم ثقة بالبشر.
يؤدي الاكتئاب المزمن غير المعالج لكراهية الحياة والبشر فيبدأ المكتئب بالتعبير عن بغضه للبشر ويبدأ بتبني أفكار وفلسفات تشاؤمية بسبب الانخفاض الحاد بالمزاج.
بعض اضطرابات الشخصية قد ترافقها كراهية للبشر, كاضطراب الشخصية الحدية, والشخصية المرتابة والنرجسية...
الاضطرابات الذهانية أيضا كالفصام الارتيابي يؤدي بالشخص لسلوكات عدوانية ضد البشر.
الصدمات التي يتعرض لها الطفل بالصغر والتي ترافقه طوال حياته خصوصا إن كانت من طرف أحد والديه قد تغذي مشاعر الضغينة ضد البشر, إذ أن الطفل يكتسب الثقة والأمان في سنواته الأولى من طرف أمه أولا وأبيه ثانيا, فإن تزعزعت هذه الثقة وتعرض للإساءة البالغة من طرف أحدهما أدى به هذا لفقدان الثقة بالإنسان ككل أو كراهية جنس أمه أو جنس أبيه.
اقرأ نظرية اريكسون.

كره البشر واتخاذ الأصدقاء:
كاره البشر ليس شخصا منعزلا اجتماعيا, قد تكون له علاقات وصداقات ولكنها بالعادة جد ضيقة, ولا يمنح ثقته بسهولة للآخرين, قد يحيط نفسه بدائرة ضيقة من أفراد أسرته وبعض من أصدقائه الذين في العادة يتقاسمون معه الاهتمامات والأفكار.
هو يفضل الانترنت والعوالم الافتراضية من ألعاب فيديو وشبكات للتواصل لنشر سمومه بدل عيش العالم الواقعي.

كره البشر وحب الحيوان:
أظهرت بعض الدراسات أن هناك رابطا جد قوي بين حب الحيوان وكره البشر, حيث صرح عدد من العينة التي تم اختيارها للدراسة من محبي الحيوانات أنهم يبغضون البشر.
بالتأكيد ليس كل محبي الحيوانات كارهون للبشر, وإنما كارهوا البشر يتخذون من حب الحيوان ملاذا لهم لتعويض مشاعر النقص والوحدة.
ورغم أن الإنسان حيوان أيضا إلا أن كارهي البشر يميلون لتفضيل بقية الكائنات على الإنسان, لذا سترى كيف أن عددا كبيرا من محبي الحيوانات يصرحون أن قضاء وقت مع كلب أفضل من قضائه مع إنسان, وبالعادة يدعوا محبوا الحيوانات كارهوا البشر للتوقف عن استخدام الحيوانات في المختبرات حتى وإن كان هذا يصب في الصالح العام للبشر, كمختبرات الأدوية وغيرها...

شخصيا نجاني الله من جمعية تساعد الحيوانات كنت من ضمن أعضائها, حيث أن بعض العناصر بالجمعية سمموا أجواءها فقلوبهم مليئة بالأحقاد والكراهية ولا يتوقفون عن سب وشتم البشر ويدعون على الناس بالهلاك كما لو أنهم من فصيلة القردة.
لذا كنت أحلم وأنا نائم ليلا بإنشاء جمعية لمساعدة حيوانات الشارع من بين شروط الانتساب لها خوض اختبار نفسي يقيس مستوى كراهية البشر.

كره البشر وارتكاب الجرائم:
يرتبط كره البشر كما رأينا بالفلسفات التشاؤمية والأفكار المتطرفة وببعض الاضطرابات النفسية والاجتماعية, لذا يعد كره البشر من المؤشرات المتوقعة لانتشار الجرائم.
يعرف عدد من كارهي البشر انخفاضا حادا بالتعاطف مع البشر, انخفاضا بالقيم الأخلاقية, لذا لا يرى البعض منهم غضاضة في الكذب أو النصب والاحتيال أو الأذية لأن البشر يستحقون الأذية ولأن الكل سيء وبغيض, حسب ما يحمله فكر كل فرد على حدة.

اقترحت بعض الدراسات القديمة أن أعداد كارهي البشر من الرجال يفوق أعداد كارهي البشر من النساء مستدلين بالجرائم المرتكبة وبالعدوانية التي يظهرها الرجل أكثر من المرأة, إلا أن دراسة حديثة قامت باستقصاء الطلاب حول كره البشر ومن تم تتبع مسارهم طوال ثلاث سنوات, وجدت انعدام أي فارق إحصائي معتبر بين الرجال والنساء بشأن كره البشر, فالنسب متساوية, إلا أن الانخراط في الشجارات والسرقة والأعمال التخريبية كانت نسبتها عند الرجال أكبر منها عند النساء.
الأسباب طبيعية واجتماعية: فالرجل بداية أكثر مخاطرة وإقداما مقارنة بالمرأة...أقوى جسديا مما يسمح له بالاثيان بجرائم عنف وتخريب أكثر من المرأة, كما أن القواعد الاجتماعية تحد من جرائم المرأة التي تفضل ممارسة العنف السلبي أكثر من الرجل كنشر الشائعات مثلا.

تلميع كره البشر بوسائل الإعلام والانترنت:
تعمد بعض الأعمال الفنية والأدبية على تزيين كره البشر كما ببعض ألعاب الفيديو التي تكون من بين أهداف شخصياتها تدمير الأبرياء, والأعمال الأدبية والسينيمائية والانمي, حيث يتم تحبيب المراهقين والشباب في الشخصيات الكارهة الحاقدة على البشر...فمن النادر أن تجد انمي خال تماما من شخصية كارهة للبشر يتم تقديمها بشكل محبب للمتابعين, وإظهارها على أنها شخصية كاريزمية بذكاء مرتفع وجمال أخاذ, وأنها محقة تماما في آرائها... ليعجب المتابع أكثر بهذه الشخصية المريضة التي صنعها المؤلف الذي كل همه طبعا شهرة العمل, فهذه هي نوعية الشخصيات التي تحظى بالشهرة بين أوساط المراهقين أكثر.
كما لا يخلو الانترنت من رسائل كره البشر, حيث يتم تمرير الفلسفات الغابرة وتجديدها ويتم تلميع صورة شخصيات إجرامية عنصرية, وقد دقت بعض الدراسات ناقوس الخطر عن كون الانترنت صار وسيلة لنشر الكراهية, فكبرى المنصات على الانترنت تتساهل مع حسابات كارهي البشر, وتمارس الانتقائية في حجب الحسابات المخالفة.
عرف بغض البشر تناميا بين أوساط الشباب والشابات بفضل غسيل الأدمغة الذي يسري على قدم وساق بشتى أنواع وسائل التواصل والترفيه المتاحة.
تعمد بعض الدول الغربية على سن قوانين زجرية لناشري الكراهية بشتى أنواعها, وقد أثارت بعض القوانين المقترحة جدلا وتخوفا من حظر حرية الفكر والتعبير, مثلما هو الحال مع بعض الشماعات المنتشرة هنا وهناك على قارعة المجتمع الدولي التي تستخدم لتصفية الخصوم.

تعليقات

  1. مبروك على التصميم الجديد للمدونة ووفقت في مقالتك.
    فعلا حتى اللي يتعرض للتنمر في حالات يصاب بكره البشر خصوصا لما ما حد يدعمه ويوقف جنبه.
    جواد عندي سؤال: هل سبق لك أن سمعت بالهويات الجندرية الخارجة عن نطاق الذكر والأنثى (Non-Binary)؟ إذا نعم ما رأيك عنها؟ هناك أشخاص يعتبرون مثل هذه الأمور تفاهة لكني شخصيا لا أستقر دائما على حال واحدة ولا أعلم حقا ما هي هويتي الجندرية وأشك في كوني شخص متحول جندريا، رغم أن ما يقولونه عنهم لا يتفق دائما بما أشعر به، لا أعرف إن كنت أرى نفسي رجلا أو إمرأة حقا، أنا عندما أقول عن نفسي بنت أشعر وكأنني أتحدث عن شخص آخر رغم أنني أنزعج عندما أحد يعيرني برجل أو ولد من باب العتاب أو الاستنقاص، مرات أتخيل نفسي ولد ومرات أنا كمان جنسي ومرات لا شيء أصلا. ألا يبدو شعورا غريبا أم أن هذا طبيعي؟ أشعر بأنني سئمت جدا من العالم عندما يتحدث دائما عن الذكورة والأنوثة أو الرجل والمرأة، الموضوع هذا يهمني لأنه في بعض الحالات أجبر على إثبات جندري المولودة عليه خصوصا أني أكبر بنت في العائلة، إضافة إلى أني في بعض الحالات لا أشعر بأن هذا الجسد مكاني بحكم عادات وتقاليد البلد، ولو فكرت في التحول إلى جنس آخر لن أشعر أيضا بالثبات لو حدث ذلك. هل أنا شخص طبيعي أم أن الإعلام يوهمني بأني من كوكب آخر؟

    ردحذف
  2. لا أعلم لماذا دائماً ما أواجه أناس من مدونتك وأنا منهم 😂 لكن فعلاً هنا أَجِد زميلتي بالدراسة حرفياً دائماً ماتبغض البشر ودائماً تفتعل مشاكل مع صديقاتها وتخبرني وأحياناً يكون الغلط منها لكنها لا تعترف وتتكلم وكأنهم هم المجرمون وهي الضحية ! وتقول البشر اغبياء وما إلى ذلك صراحتاً لا اعرف اذا ما كان كرهاً لهم او نرجسية 🤷🏻‍♀️

    ردحذف
  3. الأنمي 😂 .. وجدت لكل نوع شخصية انمي اثناء القراءة ♡

    ردحذف
  4. مقال جميل ممكن التعريف بكاتب المقال

    ردحذف
  5. لسه ماقرأت غير رؤوس اقلام لكن واضح انه مقال رهيب! وانا حاليا امر بمرحلة كره للناس وحتى صوتهم ماابغى اسمعه -_-

    ردحذف
  6. وانا واحد من كارهي البشر

    ردحذف
  7. وانا واحد من كارهي البشر

    ردحذف
  8. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  9. أنا واحد منهم, سببي أني تعرضت مثل الكثيرين للكثير من الظلم والفوضى والعنصرية التي جرت في سوريا لدرجة أنطويت على نفسي و صرت أرى كل العلاقات الإنسانية يشوبها الظلم و المشاكل. أريد حلاً لو سمحت. أعلم أنها مشكلة ينبغي حلها ولست أرضى بها لنفسي.

    ردحذف
  10. سببي في كره البشر سبب تافه.
    ليس بالضرورة انني اكره البشر، لكنني سئمت من معاتبة عائلتي لي، سائمت من مراقبتهم، و سئمت من كل هذا.
    و كذاك، سئمت من نظرة المجتمع إلي، و انني يجب ان أبقى مقيدا بقوانين المجتمع فقط، كل ما يهمني هو ان لا أغضب الله، هذا فقط ما أؤمن به، اما الباقي فلا أريد ان أهتم.
    أفكر في العيش في مكان خالي من البشر، و التواصل معهم نادرا، هناك سأجد أخيرا حريتي.

    ردحذف