نظرية يونغ للشخصية


كارل يونغ (1875- 1961) عالم نفس من مدرسة التحليل النفسي, تعد أعماله امتدادا لأعمال سيجموند فرويد حتى وإن بدت خلافات بينهما في عدة مواضيع ولكنها تبقى لا تمس جوهر كونهما يستمدان نظرياتهما من مفهوم واحد ألا وهو اللاوعي.
تنهل أعمال يونغ من فلسفات الشرق الأدنى وأساطيرها, لقد كان يونغ جد متأثر بفلاسفة الطاوية, حتى لإن بعض كتبه تستعص على الفهم مقارنة مع أعمال بقية علماء النفس التحليلي... سأحاول هنا إعطاء نبذة عن بعض مفاهيم نظرية يونغ بشكل مبسط ومختصر وعليك أن تستحضر في ذهنك دائما أن ما ستقرؤه مجرد نظرية تخص صاحبها وليست حقيقة مطلقة.

1- الاختلاف الجوهري مع فرويد بخصوص اللاوعي:
لقد تحدثنا عن نظرية فرويد لو تذكر وهو يقسم ذهن الإنسان لقسمين: الوعي واللاوعي, أما إن كنت لا تعرفها فيمكنك القراءة عن
الوعي واللاوعي عند فرويد

يقسم يونغ ذهن الإنسان لثلاثة أقسام: الوعي, اللاوعي الذاتي, واللاوعي الجماعي.

أنت تعرف مسبقا ما هو الوعي وما هو اللاوعي الذاتي فهما لا يختلفان كثيرا عن نظرية فرويد إلا في بعض التفاصيل, الجديد هنا هو اللاوعي الجماعي والذي حسب يونغ يمثل لاوعي البشرية بشكل عام, فنحن نولد بمجموعة من المفاهيم المسبقة والتجارب المتراكمة عبر الأجيال نرثها في ذاكرتنا الجينية جيلا بعد جيل, ومنها يستمد البشر الخرافات والأساطير, فحسب يونغ فإن المتمعن في الخرافات والأساطير يجد رموزا عدة بقواسم مشتركة تجمعها: كالآلهة, الأم, الأرض, الماء وغيره... أو تلك التجارب الخارقة التي يُصرح بها بشر من مختلف المشارب والثقافات لا تجمعهم أي صلة, كالاقتراب من الموت, إذ أن الأشخاص الذين حضوا بتجربة الاقتراب من الموت سردوا نفس الرؤى... وقد أطلق يونغ على هذه الرموز المشتركة اسم الصور البدائية أو الطرز الأولية, إننا جميعا كبشر نقدس الأرض كما أن البشر عبر التاريخ عبدوا آلهة مختلفة وخاضوا تجارب روحانية غريبة إلخ... وبالتالي فهذه المفاهيم حاضرة في لاوعينا الجماعي كبشر, أنا وأنت لدينا لاوعي مشترك يتمثل في هذه الموروثات, ثم أنت لديك لاوعيك الذاتي الخاص وأنا لدي لاوعي ذاتي خاص يتمثل في تجاربي الشخصية التي لا تشبه تجاربك الشخصية, ثم هناك وعيك الذي لا يشبه وعيي الخاص.
2- الطرز الأولية:
مفهوم الطرز الأولية عند يونغ يشبه مفهوم الغرائز عند فرويد, إلا أنه عكس الغرائز التي لها أصل فيسيولوجي محض تتمثل في حاجاتنا البيولوجية فإن الطرز الأولية عند يونغ روحانية. ونذكر من بين الطرز الأولية التي عدها يونغ مثالا:

الأم: تحتل الأم لدى البشر مكانة خاصة بسبب ارتباط الوليد بأمه بشكل مباشر, نحن نأتي إذن إلى هذا العالم ولدينا استعداد للتعرف عليها ولطلبها وللتعامل معها دون أن يعلمنا أحد كيف نتعامل مع هذه الأم, سترضع من ثدي أمك دون أن يوجهك أحد لمكان الثدي, وبالتالي فإن البشر يرمزون لمكونات الطبيعة الكبرى بالأم: أمنا الطبيعة, الغابة الأم, السماء, الأرض, البحر, مريم العذراء بالنسبة لمعتنقي الديانة المسيحية... فحسب يونغ أن من كان يعاني خللا في علاقته بأمه في طفولته الأولى ولم تلبي أمه كل احتياجاته فإنه قد يقضي حياته يحاول تلبية هذا الاحتياج عن طريق الإبحار أو بتقديس العذراء واللجوء إليها بالنسبة للمسيحيين أو التجوال في الطبيعة, أي أن الشخص سيبحث عن أم بديلة على شكل رمز...

3- مكونات الشخصية عند يونغ:
على غرار نظرية فرويد التي قسمت الشخصية لعناصر هي الهو والأنا والأنا الأعلى, سار يونغ على الدرب فنسج نظريته الخاصة عن مكونات الشخصية بشكل أعقد مما قدمه فرويد في أعماله, فحسب يونغ تتكون الشخصية من عدة مكونات كما بالصورة أعلاه, وبشكل مبسط نستعرض هنا:

الظل أو الشبح: يشبه مفهوم الهو عند فرويد, فهو ذلك العنصر اللاواعي لدينا المدفوع من الغريزة, الجزء الحيواني الشرير فينا, لكن شره نابع من كونه حيوانيا غريزيا ولذا فعلينا تقبله كما هو, إلا أن عدم كبحه قد يؤدي به لأن يُوجّه كسلاح فتاك نحو المحيطين بنا, أو قد يدمرنا نحن, يضم الظل كل ما يُعتبر سوداويا كالحسد والغضب والكره والعنف, ولأننا لا نقبل هذه الصفات فندفعها للوراء لتصير ظلا خفيا.

صورة الروح: مُكون لاواع من الشخصية وهو على اتصال مباشر مع اللاوعي الجماعي, صورة الروح طرز من الطرز الأولية وهي تبرز دائما على شكل أنيموس وأنيما, بحيث يمثل الأنيموس الجانب الذكوري للأنثى والأنيما الجانب الأنثوي للرجل, إذ حسب يونغ فإنه دائما في اللاوعي الجماعي المرأة هي ذلك الكائن المساعد الرقيق العاطفي في حين أن الرجل هو ذلك الكائن القوي العقلاني, وهكذا فإن للرجل جانبا أنثويا "أنيما" من العطف والرقة والعناية وللمرأة جانبا ذكوريا "أنيموس" من العقلانية والقوة, وقد تتجلى الأنيما والأنيموس بشكل ايجابي أو سلبي, فالرجل الذي لديه أنيما ايجابية سيظهر رحمة وعطفا وحنانا وصبرا, في حين إن كانت الأنيما سلبية فهو سيظهر صفات من قبيل: الحقد أو الحسد أوالغرور أوالخشية من إيذاء مشاعر الآخرين... وبالنسبة للمرأة فإن كان الأنيموس لديها إيجابيا فهي ستُظهر صفاتا ذكورية إيجابية من قبيل: السيطرة والعقلانية في حين قد تكون الأنيموس سلبية لدى المرأة وتُظهر صفاتا سلبية كالعناد والقسوة والعنف...(لا داعي للتذكير مجددا أنها نظرية تخص صاحبها وليست مُسَلّمة)

شخصية المانا: طرز أولي أيضا يُمثل الواجهة اللاوعية لنا, وعكس صورة الروح التي تمثل الجانب المعاكس لكل جنس فإن شخصية المانا تمثل نفس الجنس, فهي تمثل الرجل الحكيم بالنسبة للرجل والأم العظيمة بالنسبة للمرأة في مفهوم اللاوعي الجماعي.

الأنا:
عكس نظرية فرويد فإن الأنا ليست الشخصية الكاملة وإنما عنصر واع يمثل مركز الوعي عند الشخص, فهو الجزء الذي يفكر ويشعر ويحس ويضع الاحتمالات ويلج للذاكرة لاستجلاب الذكريات والتجارب السابقة بوعي, إنه همزة الوصل بين عالمنا الداخلي والخارجي, ولكننا لا نصرح به دائما, نحن نحتفظ بجزء كبير مما يجول بهذا الأنا لأنفسنا.

القناع: كما يوحي اسمه فإنه الصورة العامة التي يواجه بها الشخص المجتمع,أنت لا تتعامل بتلك العفوية المطلقة ولا تقوم بكل ما يخطر على بالك ولا تقول كل ما تريد, إنك تكبح نفسك وترتدي قناعا اجتماعيا تتعامل به في حياتك اليومية حتى لما تكون وحيدا مع نفسك, وتكون البداية مع القناع مستمدة من اللاوعي الجماعي ثم بعد ذلك نستكشفه ونحدد معالمه بأنفسنا لاحق.

النفس: طرز أولي تجمع بين الوعي واللاوعي لتمثل الشخصية ككل, النفس هي الحاضنة لكل هذه العناصر والتي تمثل الشخص كما هو بِشَرّه وخيره, بجانبه الأنثوي والذكوري وهي تعادل الأنا في نظرية فرويد.

فهمت شيئا؟  لم تفهم صح؟
فقط حاول التركيز في الصورة وقراءة التعاريف مجددا وستتضح لك معالم المفاهيم.
ربما ليس هذا ما كنت تود قراءته عن نظرية يونغ بل أنماط الشخصية, وقد ارتأيت أن أترك ذلك في مقال منفصل مفصل.
اقرأ عن أنماط الشخصية

تعليقات

  1. إذًا يونغ يميل لجماعة الروحانيين لا عجب بأن نظريته ستأخد انتقادات كثيرة..حتى بعد قرائتي لهذه النظرية فهي تميل أن تكون روحانية نابعة من ادراك ذاتي +ذكرني ببعض الروحانيين الذين قابلتهم

    بعد قرائتي لتقسيم يونغ ..جعلني أضع بعض التقسيمات لتقسيماته من وجهة نظري (مرحبُا بكم بنظريات سوكو 😂)
    القناع:من يستخدم القناع كثيرًا حتى مع نفسه هم الأشخاص الأقل وعيًا بذاتهم ويميل لإتباع المجتمع وقد يكون ضحية الكبت
    الأنا:إذا أدرك الشخص ذاته فهو سيكون أكثر مرونة بإخراج ما يفكر به ويكون أكثر استقرار برغباته ومشاعره لأنه لن يخلط رغباته برغبات المجتمع ولكن لن يتخلى عن القناع سيبقي منه وهنا الشخص سيميل للأنا وربما قد يجعله جزء من القناع
    (هذا ما كان لدى سوكو لليوم الباقي سيحتفظ لأني لم أكمل تقسيماتي وربما قد أكسل بالتفكير بها😂)

    أنتظر باقي النظريات

    ردحذف
    الردود
    1. أجل يونغ روحاني, بعد أن أُكمل نظريته سأنتقل لعرض الانتقادات الموجهة لمدرسة التحليل النفسي من طرف بقية المدارس إن شاء الله.
      يمكنك أن تنسجي نظريتك كما تشائين لا أحد أحسن من أحد ولو هههه

      حذف
  2. يونغ على عكس فرويد لم يستطع كبح جماحه امام الروحانيات
    كأن يونغ هنا شخص مختلف عن الشخص الذي ابتكر انماط الشخصية هذه النظرية تجعله يبدو كاحد المتصوفين هههه

    ردحذف
    الردود
    1. أهلا لولو.
      بونغ شخص روحاني في نظرياته التي تُعد أشد نظريات علم النفس التحليلي انتقادا رغم جماهيريتها الساحقة, بل الأسوء من هذا كان يعاني من حالة ذُهانية مدة سنوات كتب عنها في كتاب ظهر للوجود حديثا فقط بعد موته بعقود بعنوان الكتاب الأحمر, لقد كان يمر بتجارب نفسية أو روحانية كما أسماها غريبة ... اعترف لفرويد في احدى رسائله له أنه يُقدره لا كباحث فقط بل كرجل وأنه يشعر بالإغراء نحوه نتيجة اعتداء جنسي تعرض له من طرف شخص يكبره كان يعتبره قُدوة, وكان هذا الشعور نحو فرويد يزعجه كثيرا ويُحاول أن يُعطيه بُعدا روحانيا, يونغ عالم نفس غريب الأفكار... ولكنه يبقى عالما له مكانته في علم النفس المعاصر واسهاماته التي أغنته.

      حذف
  3. بعدما قرأت التعليقات تيقنت ان العالم الجليل والعظيم كارل يونغ فوق مستوى الوعي العام والمتعارف عليه فهو يحتاج لوعي عالي لفهم نظريته . انا مدينه وممتنه لهذا العالم بتقسيماتها للشخصيه تقسيمات رائعه كان لها عظيم الأثر في علاجي لكثير من الحالات النفسيه .

    ردحذف
  4. هل لنظرية يونج تطبيقات في العالم العربي وما هي هذه التطبيقات

    ردحذف
  5. شكرا على الموضوع الشيق.
    لماذا لاتضعوا مراجع لأستخدامها في الأبحاث؟

    ردحذف
  6. مرحبا هل من فضلكم اعطائي بعض الامثلة على القناع و الظل لديكم في نظرية يونغ

    ردحذف