سمات الشخصية, نظرية جوردون ألبورت

 
نعود مجددا لنظريات الشخصية وهذه المرة مع نظريات السمات التي ظهرت ملامحها الأولى مع جوردون ألبورت.
لم يكن جوردون ألبورت ( 1897- 1967) عالم النفس الأمريكي راضيا عن زملائه الأمريكيين الذين اتجهوا صوب المذهب السلوكي, لأنه لم يجد أنه يجيب عن عدة تساؤلات تخص الشخصية.
بعد تخرجه الجامعي اتجه صوب أوربا لمقابلة فرويد بفيينا وقد سبق وذكرت قصة لقائهما حيث بادر ألبورت الكلام مع فرويد قصد كسر حاجز الصمت معه فروى له عن طفل لديه وسواس النظافة صادفه بالقطار فسأله فرويد ما إذا كان هذا الطفل هو ألبورت, حيث ظن فرويد أن ألبورت يحكي بلا وعي عن نفسه...اكتشف ألبورت خلالها أن فرويد يبالغ كثيرا في تحليله للحوارات العادية وأن علم النفس التحليلي يغوص عميقا في اللاوعي بشكل يشبه التنجيم.
عاد ألبورت لأمريكا ليُطور نظريته الخاصة التي تزاوج بين دراسة السلوك والتحليل النفسي, بعيدا عن الغوص عميقا في اللاوعي والمبالغة في التحليل و بعيدا عن الاقتصار الحصري على دراسة السلوك الظاهر بالمختبرات.

 1- تعريف الشخصية:
حسب ألبورت فإن الشخصية هي نظام ديناميكي غير تابث داخل تكوين الشخص الجسدي والنفسي حيث تمثل خصائص الشخص, أنماط سلوكه, أفكاره ومشاعره.
يرى ألبورت أن لكل إنسان شخصيته المتفردة وهذه الشخصية متحولة وغير تابثة تؤثر عليها عوامل الطبيعة (الجينات) والتنشئة (البيئة).

2- الوظائف النفسية السبعة:
قسم ألبورت وظائف النفس لسبعة وظائف تتطور في مراحل مختلفة من عمر الإنسان:
  • الإحساس بالجسد: يتطور هذا الإحساس بالسنتين الأولتين من حياة الإنسان, حيث يكتشف الرضيع جسمه وحدوده, ويشعر به وحرارته فترى الرضيع يحذق بأصابع يديه ورجليه, حينها سيعرف الرضيع حدود جسده وما يميز جسده عن البيئة المحيطة به, وقد ضرب ألبورت مثالا باللّعاب, فنحن نبتلع ريقنا كل يوم مئات المرات لكن إن بصقناه بكأس فإننا سنعافه لأنه صار خارج هذا الجسد الذي نعرفه.
  •  الهوية الذاتية: تتطور الهوية أيضا بالسنتين الأولتين من حياة الإنسان حيث يعرف الرضيع أنه فرد مستقل بكيانه ويصير يعرف اسمه ويستجيب له, ويدرك الزمن وأن هناك استمرارية له أي أنه كان موجودا بالماضي وسيكون هو نفسه بالمستقبل.
  • احترام الذات: يتطور في سن ما بين سنتين وأربع سنوات وهي المرحلة التي يدرك فيها الطفل أن لديه قيمة, وسيرغب في فعل بعض الأمور بنفسه.
  •  امتداد الذات: يتطور ما بين سن أربع سنوات وست سنوات, وحينها يكتشف الطفل أن هناك أشخاصا وأشياء لا ينتمون لذاته لكنهم امتداد له, فهو سيعتبر هذه الكرة كرته ولن يرغب بأن يلعب بها غيره وسيعرف أن هذا أباه وهذه أمه وإخوته وهم امتداد له لن يرغب في أن يشعروا بالسوء لأن ذلك سيسوءه أيضا..
  •  صورة الذات: أيضا تتطور بسن أربع وست سنوات وهي تمثل مرآة الذات الاجتماعية والصورة الخارجية وفهم نظرة الآخرين, فالطفل سيدرك أنه ذكر أو أنثى وسيدرك أن الآخرين يرونه ذكرا أو أنثى ويعرفونه باسمه وبصفاته الظاهرة وغيره.
  • التكيف العقلاني: ابتداء من سن ست سنوات إلى غاية اثنا عشرة سنة يبدأ الطفل حينها بإعمال العقل ومعالجة المشاكل والأمور بعقلانية, وهذا هو سن التمدرس طبعا.
  •  السعي للتفرد: ابتداء من سن الثانية عشر يدخل الطفل سن المراهقة ويبدأ سعيه الحثيث نحو التفرد وتحقيق ذاته وتصير له أهداف بالحياة واضحة.
أظن أن هذه الخصائص السبع ذكّرتك بنظرية إريك إريكسون, في واقع الأمر فإن ألبورت أخذ من نظرية فرويد أيضا بعض المفاهيم طورها تماما كما فعل إريكسون, لكن ألبورت أبدا لا ينتمي لمذهب التحليل النفسي كما هو حال إريكسون.
 3- نظرية السمات:
إلى جانب تطوير الفرد للخصائص والوظائف النفسية السبع فإنه سيطور سماته الشخصية فما هي السمات؟
لو طُلب منك أن تصف صديقك فإنك ستذكر بعض الصفات التي تراها بشخصيته تميزه هو كصديقك فتقول مثلا بأنه شخص صاخب أو هادئ, اجتماعي أو انطوائي, عصبي أو بارد, حنون أو قاس...إلخ.
إذن أنت ستذكر ما تلمسه ظاهرا فيه وهذا ما يُطلق عليه بالسمات بكل بساطة, وبمعنى آخر فهي مجموعة من البنى النفسية التي تمثل السلوك والمشاعر والتفكير أيضا للفرد.
إذن لتجميع هذه السمات لجأ ألبورت للّغة أي المعجم الذي يحمل بين دفتيه بالتأكيد آلاف السمات, وقد تمكن بمساعدة زميله من استخراج 18 ألف عبارة انجليزية بالمعجم تشير إلى السمات ومن تم نقحها فصارت حوالي أربعة آلاف سمة... حسب ألبورت فإن لكل شخص سماته المتفردة التي لا تشبه سمات الآخرين, فهو يرفض أسلوب التنميط, (وسنرى في موضوع آخر إن شاء الله الفرق بينهما بالتفصيل). وقد قسم بشكل هرمي السمات التي يحملها الفرد لثلاثة أقسام:
  • السمات الأساسية: وهي السمات التي تسم الفرد تقريبا طول حياته ويكون مشهورا بها فيصير اسمه بحد ذاته لقبا يُطلق على حاملي صفته, فمثلا عندما نقول "دون جوان" فنحن نقصد زير نساء, وعندما نقول "ستالين" فنحن نقصد شخصا ديكتاتوريا, أو أن نقول مثلا أن هذا الشخص "فرعون" أي أنه شخص متجبر ظالم, أو أن نقول أن فلان "أينشتاين" أي أنه عبقري وبالتالي هؤلاء الأشخاص "دون جوان, ستالين, فرعون, أينشتاين" صار اسمهم بحد ذاته لقبا يشير للسمة, أي أن الصفة صارت لصيقة بهم ومقترنة باسمهم الشخصي.
  • السمات المحورية:  وهي السمات التي أيضا تكون لصيقة بالشخص لكن ليس بحدة السمات الأساسية, مثلا: ذكي, غبي, عصبي, لطيف, شرير ...إلخ. فلابد أنه إذا ما طُلب منك أن تصف صديقك ستذكر بضع صفات محورية فيه يتراوح عددها ما بين خمس إلى عشر سمات تميزه عن غيره كأن يكون شخصا جد غبي ومحط سخرية فلابد وأن هذه سمة محورية فيه أو أن يكون عكس ذلك شخصا جد عبقري فهذه صفة تميزه لا يمكنك تجاهلها فيه عند وصف شخصيته أو أن يكون جد لطيف أو بكّاء أو قاسيا أو غيره...
  • السمات الثانوية: وهي السمات التي تظهر في ظروف معينة لا يمكنك اكتشافها في الشخص دائما, كأن يكون صديقك هذا المرح جدا والصاخب مثلا جد خجول ومرتبك عندما يكلم الجنس الآخر, أو أن يكون الشخص لطيفا وذكيا واجتماعيا كسمات ملازمة له طول الوقت لكنه في وقت الشدة يصير جد عصبي ويثور على كل من حوله فهذه السمة لا يمكن اكتشافها إلا في ظرف الشدة  كسمة ثانوية له لا تلازمه كل الوقت.
4- النضج النفسي:
وضع ألبورت سبعة خصائص تهم الشخص الذي لديه نضج نفسي متكامل, حيث اعتبر أن الفرد الذي يطور الخصائص النفسية بشكل جيد ويحمل سماتا ممتازة فهو سيتمتع بنضج نفسي:
  • امتداد نفسي محدد: بمعنى أن الشخص يعرف انتماءه وأهله ومقربيه ووظيفته وغيره... 
  • إجادة التعامل والتواصل مع الآخرين: مثلا التعاطف معهم والثقة بهم وغيره, فالشخص الذي يعاني من وساوس اتجاه الآخرين دون سبب مقنع ولا يثق بمقربيه فهو غير ناضج نفسيا, أو ذلك الشخص الذي لا يستطيع التعاطف مع الآخرين كأن يضحك ويسخر من مصائبهم.
  • الأمان العاطفي وتقبل الذات: أي أن يتقبل الشخص نفسه وذاته كما هي لا أن يشعر بالاحتقار اتجاهها على سبيل المثال أو ألا يتقبل أمرا ما يتعلق بذاته كأن لا يتقبل الفرد جسده أو مستوى ذكائه أو غيرها من الأمور التي لا يد له فيها ولا يمكن تغييرها.
  • الإدراك الواقعي: بمعنى أن الشخص لا يستخدم آليات الدفاع النفسي في تحليله للأمور التي سبق لنا ورأيناها في موضوع آخر, أي ألا يكذب الشخص على نفسه طول الوقت بل يصارح نفسه ويفهم مشاعره.
  • القدرة على حل المشاكل: فالشخص يجب أن يتمتع بمقدرة على حل مشاكله اليومية العادية والتي يمكنه أن يحلها بنفسه, إذ أن هناك من يطلب المساعدة ويشعر بالعجز أمام كل مشكلة يواجهها مهما كانت بسيطة.
  • القدرة على جعل النفس موضوعا: بمعنى أن يكون الشخص قادرا على الضحك من نفسه أو بعض أفعاله, فتجد مثلا أشخاصا إن أخطؤوا أخطاء بسيطة أو تافهة ضحكوا من أنفسهم, في حين أن هناك من لا يستطيع ذلك وغير قادر على أن يسخر من نفسه أو بعض تصرفاته بينه وبين نفسه.
  • فلسفة حياة موحدة: أي أن يكون للشخص توجه واضح بالحياة ومعتقد يؤمن به وقيم واضحة, فهناك من يعاني من هذه الناحية فتجده مشوشا ويطرح أسئلة تقض مضجعه أو يقوم بتصرفات تنافي قيمه وفلسفته وكل يوم هو في حال مختلف.
إذن كانت هذه نظرة مختصرة عن ألبورت, ولابد وأنك لاحظت (إن كنت تابعت المقالات السابقة)  أن الانتقادات التي يمكن أن توجه لنظريته هي نفسها الانتقادات التي وجهت للتحليل النفسي من ناحية اللاعلمية, فنظريته مجرد تخمينات وبالتالي لا يمكن ضحدها ولا تصديقها بشكل علمي واضح.
إلا أن العلماء الذين أتوا بعده وطوروا نظريات السمات أجروا التجارب والتدقيقات والاختبارات للخروج بنظريات أكثر دقة.
اقرأ عن نظرية السمات الستة عشر لكاتل
اقرأ عن نظرية الأمزجة الأربع لآيزنك

تعليقات

  1. أفضل مقال جاد قراءته على هذه المدونة حتى اﻷن!

    ردحذف
    الردود
    1. حقا!!
      سيروقك إذن علماء السمات كثيرا.
      لي وقفة طويلة معهم إن شاء الله

      حذف
  2. تبدو نظرية السمات مشوقة .. أنتظر النظريات الأخرى

    ردحذف
  3. نظرية جميلة ومشوفة
    لقد مضت مدى منذ زيارتي للموقع وارى انك تتلقى طلبات زوات في تويتر وانا المعجبةالاولى لك ههههههههه

    ردحذف
    الردود
    1. أهلا لولو أنت تطيلين الغيبة كثيرا هههه
      بلى تطورنا وصرت مثل تامر حسني ههههه
      سأقلبها غناء أحسن

      حذف
  4. السلام عليكم و رحمة الله وبركاته اولا اشكرك على المقال ،اول مرة اتفحص هذه المدونة و اعجباني المقال هل هناك مقالات تنصب في هذا المجال المرجوا اعلامي بها و شكرا

    ردحذف
  5. ayna inti9adate nadaria mn fadlek

    ردحذف