اضطرابات الخطل الجنسي أو البارافيليا وعلاجها

 الرسم للفنان البولندي المثير للجدل "بالتوس" وقد اجتزأت جزءها السفلي لأن الطفلة مرسومة بلباس داخلي فقط...إذ تتمحور رسومات بالتوس حول الطفلات الصغيرات دون ملابس, وقد مُنع عرض بعض صوره في متحف بألمانيا لمحتواها البيدوفيلي.

لقد عجلت الكتابة عن هذا الاضطراب بسبب ما صرت أقرؤه هنا وهناك من مفاهيم مغلوطة حول بعض الاضطرابات الجنسية.
للأسف فإن الثقافة الجنسية بالعالم العربي معدومة, لا يتم توعية المراهقين بالمدرسة بالأمور الجنسية بما يتناسب وسنهم مما يجعلهم فريسة سهلة للعديد من المعلومات الخاطئة والبحث عن الحقائق الجنسية بالأفلام والقصص الخيالية أو حتى المواقع الإباحية والتي تتضمن محتوى فانتازي غير واقعي بالمرة.
إن اضطرابات الانحراف الجنسي منتشرة بشكل كبير جدا أكبر مما قد تتصوره, ولكن يتم التكتم عليها من طرف المعني بالأمر مما يحُول دون الحصول على إحصاءات لعدد المصابين بالعالم العربي.
أغلب المصابين بهذا الاضطراب هم من الرجال وذلك للطبيعة الجنسية للرجل التي تختلف عن المرأة, ولكن المرأة تصاب أيضا بهذا الاضطراب.

أنا هنا لن أحكم عليك بالسوء, إن كنت تعاني من انحراف جنسي فإن العلاج قد يكون متاحا لك, لا تتردد أبدا في زيارة طبيب أو مستشار نفسي فهو لن ينظر إليك نظرة احتقار, النظرة التي قد يرمقك بها المجتمع والتي تجعلك تتكتم على معاناتك.

لكن أولا علينا أن نحدد ماهو الخطل الجنسي أو البارافيليا؟
 الخطل الجنسي أو البارافيليا هو عندما يشعر الشخص بالإثارة الجنسية من سلوكات أو أفعال أو أشخاص أو أغراض ليس من المفترض أن يشعر اتجاههم بالإثارة.
لكن لا يتم تشخيصه على أنه اضطراب إلا إذا كان مصاحبا للضيق واضطرابات القلق كالوساوس القهرية والأفكار الاستحواذية, التي تؤذيه شخصيا أو تضطره للقيام بأفعال تؤذي الآخرين.
إذ يمكن أن يكون الشخص منحرفا جنسيا لكنه لا يقوم بأي أفعال تؤذي الآخرين ولا يشعر بأي قلق أو ضيق من انحرافه ولا يؤثر الخطل الجنسي على حياته الاجتماعية وبالتالي فإن الطب النفسي لا يتدخل في هذه الحالة, لأنه ليس هناك ما يمكن أن يقدمه له.
لا وجود لأي أدوية تغير الميول الجنسية.

الاضطرابات البارافيلية ثمانية أنواع حسب تصنيف آخر إصدار لدليل تشخيص الأمراض النفسية.

1- اضطراب التلصص الشهواني:
يتم تشخيص الفرد على أنه مصاب بهذا الاضطراب إن كان يشعر بإثارة جنسية كبيرة بالتلصص على خصوصيات الآخرين وهم يستحمّون أو يغيرون ملابسهم دون علمهم, وأن يمارس هذا السلوك فترة طويلة من الزمن تمتد لستة أشهر فأكثر.
قد يلوح بذهنك خاطر أنه مجرد سلوك سيء قد يصدر عن أي شخص "غير مؤدب" إذ يشعر أي فرد طبيعي بالإثارة عند رؤية امرأة تغير ملابسها.
كلا الأمر ليس كذلك, إن الشخص المصاب بهذا الاضطراب أحيانا قد لا يجد أي متعة إلا بممارسة هذا السلوك, وقد يتطور لديه الأمر ويصير غير قادر على التحكم بنفسه, فتجد رجلا محترما مثقفا يتلصص على عورات الناس بشكل قد يثير استغراب من يعرفه, ويثير هذا الضيق لدى الشخص المعني بالأمر..
قد يتم تفسير الأمر بمشاهدة المراهق في بدايات بلوغه لشخص يغير ملابسه بشكل عرضي فيشعر بالإثارة, وحينها ترتبط لديه الإثارة بممارسة هذا السلوك دائما.
إذ تنطبق عليه نظريات التعلم.
2- اضطراب الاستعرائية:
تتحقق اللذة الجنسية لدى المصاب بهذا الاضطراب بالتعري أو إظهار عورته للآخرين سواء كانوا بالغين أو أطفالا.
ليس كل شخص يتعرى مصاب بهذا الاضطراب.
لا يمكن اعتبار المتعري منحرفا جنسيا إلا إذا كانت الإثارة الجنسية لديه تتحقق بهذه الممارسة, أو يتخيل فعلها بذهنه.
وربما سمعت أو رأيت أشخاصا لما كنت طفلا يعرضون عورتهم بشكل خفي لتراها, إذ يمارس هؤلاء المنحرفون سلوكهم على الأطفال بشكل أكبر بسبب صعوبة ممارسة الفعل أمام البالغين.
قد يقاوم المصاب سلوكه وقد تلاحقه رغبة ملحة وسواسية في الإثيان بهذا التصرف, أو أن يشعر بالعار والذنب والضيق من صنيعه أو التفكير فيه وهنا يتم تشخيصه على أنه مصاب باضطراب.

3- اضطراب الاحتكاكية التحرشية:
هل التحرش اضطراب؟ في هذه الحالة نعم.
 يجد المصاب الإثارة بالاحتكاك أو لمس شخص آخر لا يرغب في ذلك أو دون علمه, كالاحتكاك بالآخرين في الحافلة أو المناطق المزدحمة أو الأسواق أو أي مكان تتوفر فيه شروط الاحتكاك بالضحية...أو يتخيل في ذهنه هذا السلوك.
يجب أن يكون سلوك الفرد مرافقا له طوال مدة طويلة مع الشعور بالضيق والقلق ليتم تشخيصه على أنه مصاب بهذا الاضطراب.
ليس كل شخص متحرش مصاب باضطراب التحرشية طبعا, قد يفعل ذلك بإرادته دون أن شعور بالذنب.

4- اضطراب المازوخية:
كمُّ الترهات التي أقرؤها حول هذا الاضطراب هو ما جعلني أكتب هذا الموضوع.
المصاب بهذا الاضطراب يجد متعة جنسية من الممارسات الجنسية المرافقة للألم أو الإهانة أو الضرب وغيرها من الممارسات المشابهة.
أحيانا يجد الشخص متعة في الشعور بالاختاق أثناء الممارسة الجنسية, مما يشكل خطرا وتهديدا حقيقيا على سلامته الجسدية.
إذا لم يرافق هذه الممارسات الشعور بالذنب أو المهانة أو القلق فإنه لا يتم تشخيص الفرد على أنه مصاب باضطراب المازوخية وبالتالي لا يتدخل الطب, فهو مرتاح بممارساته التي لا تؤذي غيره.
 اضطراب المازوخية منتشر بين الجنسين رجالا ونساء.
قد يطلب الرجل من زوجته أفعالا سادية أو العكس, لكن بسبب الطبيعة المحافظة للمجتمع العربي فإنه يصعب على الرجل الذي يعاني من الاضطراب طلب ذلك من زوجته لذا قد يمارس أفعالا مازوخية بمفرده أو يتخيل الأفعال بذهنه.
ولا توجد أي إحصاءات حول انتشار هذا الاضطراب أو غيره بين الجنسين.
إن ما يتم تداوله على أن طبيعة المرأة مازوخية عار تماما عن الصحة وليس له أي أساس علمي, فطبيعة كل كائن بشري هي ما فطره الله سبحانه وتعالى عليها والمازوخية ليست فطرة طبيعية في الكائن البشري أو أي كائن آخر سواء ذكرا أم أنثى.
قد تجد المرأة سهولة أكبر في التصريح بميولها المازوخية أكثر من الرجل المازوخي للطبيعة المجتمعية المتسامحة مع المرأة في هذا الخصوص أكثر من الرجل, إن اضطراب المازوخية لا تقلل من شأنك أبدا كرجل إن كنت تعاني منها, وإن كنت تشعر بالضيق حيالها فاللجوء للطبيب النفسي قد يحل لك المشكل.

5- اضطراب السادية:
يعد اضطراب السادية أخطر من المازوخية بسبب إنزال الأذية على الآخرين.
لا يتم تشخيص الفرد مصابا باضطراب السادية إلا إن كان يجد متعة جنسية في إلحاق الأذية والإهانة بالشريك الجنسي, أو تخيل ذلك في ذهنه ويصاحب هذا قلق وضيق وشعور بالذنب وغيرها من المشاعر السلبية أو الرغبة الملحة الاستحواذية في فعل ذلك, أو القيام بالأفعال السادية دون موافقة الشريك.
ورغم ارتباط السادية بالرجل إلا أن الاضطراب قد يصيب النساء أيضا.

6- اضطراب البيدوفيليا:
اضطراب البيدوفيليا هو الشعور بالانجذاب الجنسي نحو الأطفال سواء ذكورا كانوا أم إناثا أو كلا الجنسين بسن أقل من 13 سنة أي الأطفال قبل سن البلوغ.
يتم تشخيص الفرد على أنه مصاب باضطراب البيدوفيليا إن كان ينجذب للأطفال وسواء قد مارس أفعال جنسية على الأطفال في الواقع أم في ذهنه, لابد وأن يصاحب هذا شعور بالذنب والقلق والاستياء من هذا الانجذاب.
إن كان الشخص لا يشعر بأي ذنب أو ضيق حيال ذلك فهو بيدوفيلي وغير مصاب بالاضطراب.
تجدر الإشارة إلى أن ليس كل شخص ينجذب للأطفال هو مغتصب للأطفال, لذا إن كنت تجد في نفسك هذا الانجذاب فالأولى أن تلجأ لطبيب نفسي دون أن تخاف أو تقلق بشأن سمعتك فالطبيب مهمته هو علاجك وليس الحكم عليك أو التحقيق معك.
قد يصير ضحية الاغتصاب بالصغر لمصاب باضطراب البيدوفيليا إلا أن الأبحاث لم تجد بعد الرابط العلمي بين الأمرين.
ملاحظة: يعد سن الزواج في بعض المجتمعات جد منخفض وهذا لا يجعلهم ضمن قائمة البيدوفيليين لأن سن الزواج كان منخفضا في العالم ككل قبل قرون مضت بل قبل عقود فقط, وكان من الطبيعي للأطفال دون سن 13 سنة أن يتزوجوا, المسألة في هذه الحالة ثقافية واجتماعية وترتبط بالموروث الثقافي لكل مجتمع.

7- اضطراب الفيتشية:
 هو الانجذاب الجنسي لأغراض أو أشياء أو أجزاء من الجسد غير جنسية.
كأن ينجذب الشخص لغرض من الأغراض ويشعر بالإثارة من الممارسات الجنسية به, أو أن ينجذب لجزء من الجسد ليس من المفترض أن يولد إثارة جنسية شديدة كأقدام النساء أو أصابعهن وغيره.
من الطبيعي أن كل جسد المرأة مثير للرجل إلا أن مصاب اضطراب الفيتشية يجد شهوة شديدة بالتحذيق مثلا في قدم المرأة دون بقية جسدها, وربما تجده يحتفظ بصور أقدام النساء ولا يمكن تشخيص الفرد على أنه مصاب بالاضطراب إلا إذا كانت الفيتشية تسبب له القلق والضيق.

8- اضطراب شهوة الملابس المغايرة:
قد يجد الشخص متعة جنسية في ارتداء ملابس الجنس الآخر وفي الغالب يكون رجلا يرتدي ملابس نسائية.
إن المصاب بهذا الاضطراب ينجذب للجنس الآخر وليس لنفس جنسه ولكنه يجد متعة جنسية في ارتداء ملابس الجنس الآخر سواء كانت ملابس خارجية أو داخلية.
لا يجب الخلط بين هؤلاء وبين المثليين جنسيا أو المتحولين جنسيا, فالمصاب باضطراب شهوة الملابس المغايرة قد يكون رجلا كامل الرجولة ينجذب للنساء ولكنه يجد متعة جنسية وإثارة بارتداء ملابس النساء.
إن كان الشخص لا يجد غضاضة في أفعاله فإن الطب طبعا لا يتدخل لكن إن كان يعاني من الضيق من هذه الشهوة فهنا هو يعاني من اضطراب شهوة الملابس المغايرة.

المثلية الجنسية:
 لقد كانت المثلية الجنسية ضمن قائمة الاضطرابات البارافيلية لكنه تم حذفها سنة 1980 من دليل تشخيص الأمراض النفسية وذلك بسبب الانفتاح بالغرب الذي جعل المثليين منفتحين بشأن مثليتهم ولا يشعرون بأي اضطرابات مرافقة لأفعالهم.
إلا أن الأمر معاكس بالعالم العربي والاسلامي والمجتمعات المحافظة عموما إذ ليس كل مثلي الميول ممارس لهذا الفعل وبالتالي فقد يشعر الشخص بالقلق والضيق حيال ميولاته المثلية, وإن كنت ترى في نفسك هذه الميول وتشعر بالضيق حيالها فعليك أن تلجأ للطبيب النفسي.

وكما سبق وأشرت فأنا لست هنا للحكم على أحد بالخير أو الشر وإنما للتوعية بخصوص هذه الاضطرابات إذ أن هناك كثرا يعانون منها ولا يدرون شيئا عن ما هم فيه.

العلاج:
بخلاف الأمراض السابقة التي رأيناها فإن اضطرابات الخطل الجنسي لا علاج دوائي لها, إذ لا يوجد أي دواء سيُحوّل ميول الفرد الجنسية, لكن قد يصف الطبيب بعض الأدوية إن وجد أن المصاب يعاني اضطرابا من اضطرابات القلق وهذا الدواء لن يعالج الميول أبدا.
أحيانا يتم وصف بعض الأدوية الهرمونية للحد من إفراز التيستوستيرون جزئيا لدى الرجل الذي لديه ميول جنسية مؤذية للآخر كالبيدوفيليا, وهذا للحد من الشهوة وبالتالي الحد من الإقدام بتصرف مشين.

بالعلاج السلوكي المعرفي يتم تثقيف المصاب بميوله الجنسية كي لا يشعر بالضيق الشديد حيالها.
ويتم الحديث معه بشأن الأذى الذي قد يحدثه بالآخرين كي يتعاطف معهم ولا يتصرف بتصرف يؤذيهم كما في حالة السادي أو البيدوفيلي أو غيره..

إذن العلاجات تتمحور حول الحد والتحكم بالميول الجنسية وليس إلغائها لأن ذلك يكاد يكون مستحيلا إن لم يكن فعلا مستحيلا.
بعض المعالجين قد يلجؤون لأسلوب تكريه وتنفير الشخص من المثير الجنسي, وذلك بنفس مبدأ قوانين التعلم.
مثلا أن يري الشخص البيدوفيلي صورة طفل وإذا شعر بالإثارة يصعقه بالكهرباء بشحنة خفيفة تحدث ألما وبالتكرار المستمر وبالجلسات العديدة قد ينفر البيدوفيلي من الأطفال.
إلا أن نجاعة هذا الأسلوب محدودة جدا.

العقوبات القانونية:
المصاب باضطراب البارافيليا ليس مريضا بالذهان وبالتالي فهو مسؤول عن أفعاله وسلوكاته تمام المسؤولية ويتحمل وزر أفعاله.
لا تعتقد أبدا أن اضطراب البارافيليا مرض قد يجعل صاحبه بعيدا عن المتابعة القانونية إن هو أتى بسلوك ينتهك حقوق الآخرين.

تعليقات

  1. هذه مقالة جريئة جدًا وفي العمق، ترددت قبل نشرها ولا أظن أن غيري سيعلق عليها.
    شكرا لك على تسليط الضوء على بعض القضايا المسكوت عليها.

    ردحذف
    الردود
    1. أهلا أستاذ معاذ.
      أجل مثل هذه القضايا والاضطرابات يتم السكوت عنها وتركها تتفاقم في الخفاء.
      شكرا على جرأتك في النشر :)

      حذف
    2. هذا واجبي، ويبدو أنني كنت مخطئا في ظني :)

      حذف
  2. فعلًا، التوعية بشأن هذه الأمور ليست عيبا بل هي مهمة لتفادي الأضرار في المستقبل
    شكرا لك على هذا المقال.

    ردحذف
    الردود
    1. أهلا بك Shiroi~Rika :)
      أجل العيب هو تجاهل هذه الأمور وترك الناس تتخبط

      حذف
  3. إن كان الشخص لا يشعر بأي ذنب أو ضيق حيال ذلك فهو بيدوفيلي وغير مصاب بالاضطراب << اعجبني أنا من المناصرين للزواج من الأطفال إذ اعتقد أنهم أقل مشاكل زوجية من الكبار! ما رأيك جواد تفاهة؟

    ردحذف
    الردود
    1. تحديد سن الزواج مسألة اجتماعية تختلف من ثقافة لأخرى ومن دولة لأخرى, في أمريكا بعض الولايات تسمح بزواج طفلة 12 سنة بموافقة والديها, وهذا الأمر ينطبق على بعض الدول الأوروبية والعربية أيضا.
      لكن البيدوفيليا موضوع نفسي مرتبط بميول جنسية, فحتى لو تزوج الرجل من طفلة بعمر 10 سنوات بشكل قانوني وبموافقة والديها مثلا فإنه سيفقد اهتمامه بها بعد سن البلوغ وسيبحث عن أطفال آخرين لاشباع رغباته.
      إذن المسألة ليست مسألة زواج, لأن البيدوفيلي قد يتزوج من امرأة شابة وينجب أطفالا ثم يخرج لاغتصاب أطفال بالشارع.

      حذف
  4. احببت استخدامك للمصطلحات العلميه لان الناس ينفرون من هذه المواضيع بسبب بعض الاغبياء الذين يتفوهون بالفاظ خادشه للحياء ويدعون انها شفاشيه

    ردحذف