اضطرابات الشخصية: الشخصية الهستيرية أو الدرامية التمثيلية

 لوحة للرسام الفرنسي جيمس تيسو 1870

ما هي اضطرابات الشخصية؟
اضطرابات الشخصية تمسّ مختلف جوانب الشخصية للمضطرب حيث أن الشخص يفكر, يشعر ويتصرف بشكل غير متوقع من طرف إنسان طبيعي, فيؤثر الاضطراب على جوانب عدة من حياة المصاب بشكل سلبي كالتفاعل الغير سليم مع الآخرين, المشاعر السلبية اتجاه الذات, ردات الفعل العاطفية الشاذة في المواقف, وإظهار انفلات في التحكم بالسلوك.
كما وتختلف اضطرابات الشخصية عن بعض الاضطرابات النفسية كالفصام والحالات الذهانية الأخرى كون الوعي والإدراك لا يغيب فيها وبالتالي فإن الشخص يكون واعيا تماما بتصرفاته وسلوكاته وبالتالي متحمّلا للمسؤولية.

كما علمنا أن هناك عشرة أنواع لاضطرابات الشخصية تنقسم لثلاثة أقسام:
1- القسم الأول: اضطرابات شخصية ذات سلوك غريب الأطوار وشاذ: الشخصية الفصامية
2- القسم الثاني: اضطرابات شخصية ذات سلوك درامي, عاطفي أو غير نظامي: الشخصية المضادة للمجتمع, الشخصية الحدية, الشخصية النرجسية.
3- القسم الثالث: اضطرابات شخصية ذات سلوك قلق ومتخوف: الشخصية التجنبية


ويندرج اضطراب الشخصية التمثيلية ضمن القسم الثاني.

ما هي الشخصية التمثيلية الهستيرية؟
الشخصية الهستيرية وكما يشير إليها اسمها شخصية درامية تنتهج أسلوب التمثيل في تعاملاتها اليومية مع الآخرين, يميز المصاب بهذا الاضطراب عرضين وهما المبالغة في إظهار العواطف وردات الفعل الدرامية, والرغبة الملحة في لفت الانتباه إليه بأي شكل من الأشكال, والتي تدفعه للاتيان ببعض التصرفات كالمبالغة في الاعتناء بمظهره الخارجي خصوصا إن كان المصاب أنثى, فهي تلعب بالعادة دور الأميرة الجميلة وتصاب بالقلق والتوتر عندما لا تكون هي محور حديث الآخرين, ولأنها تحب لفت الأنظار إليها كثيرا فغالبا ما تلجأ هذه الشخصية لمجالات تشبع في نفسها هذه الرغبة كمجال الفن أو الاعلام, لذا فكثيرا ما نرى شخصيات هستيرية في أوساط أهل الفن والاعلام.
وإن كان اضطراب النرجسية يشخص أكثر في أوساط الرجال فإن أغلب من يتم تشخيصهم باضطراب الشخصية التمثيلية هن من النساء والسبب يبقى مجهولا دائما, إلا أن بعض الفرضيات تحيل ذلك لاختلاف الأدوار المجتمعية بين الجنسين بحيث تعتبر الأعراض أكثر وضوحا في صفوف النساء منها مقارنة بالرجال.

الأعراض:
1- الرغبة الملحة في أن يكون محط الأنظار ومحور حديث الآخرين, بحيث يشعر بالضيق والقلق إن انصرف انتباه الآخرين عنه فيحاول جاهدا أن يعيد إليه لفت الأنظار

2- سلوك طفولي, إذ يتميز سلوك المصاب الهستيري بقلة النضج فتبدو الفتاة لعوبا متغنجة ومصطنعة, ولا يمكن رصد هذا بسهولة لدى المصاب الرجل لأن الاصطناع لدى الرجل مختلف.

3- الاهتمام المبالغ فيه بالمظهر الخارجي ويمكن لحظ ذلك بسهولة في المرأة التي تكثر من وضع الزينة, وغالبا ما تكون الزينة جد كثيفة محط انتقاد نفس جنس المصاب بحيث تنفر النساء من زينة المرأة الهستيرية.

4- محاولة إثارة الجنس الآخر, بحيث تحب المرأة المصابة أن يتم مدح جمالها من طرف الرجال وكذا الأمر ذاته بالنسبة للرجل وعلى غرار بقية شخصيات اضطرابات القسم الثاني فإنه غالبا ما يتم وصف الشخصية الهستيرية على أنها شخصية كاريزمية وجذابة بالنسبة للجنس الآخر, ولكون الأمر مرتبط بثقافة المجتمع الذي يعيش فيه المصاب وقناعاته الشخصية فإن الأمر يبقى نسبيا, فالهستيري ليس بالشخص الفاقد للإدراك وهو مسؤول عن أفعاله كل المسؤولية وقد تمنعه قناعاته عن فعل ذلك وبشكل عام فإن المصاب يحب بشدة أن يتم مدح جماله وجاذبيته وأن يكون جد مثير للجنس الآخر, وقد يسعى المصاب مثلا في مجتمع لا يمانع من الاثيان بسلوك مشابه على أن يثير الجنس الآخر, ولا يكون غرضه في واقع الأمر الجنس بحد ذاته بل المديح واتباث أنه جذاب ولا يقاوم.

4- المبالغة في إظهار العواطف فالشخص المصاب قد يظهر ابتهاجا كبيرا من هدية بسيطة جدا مثلا أو قد يبكي ويصرخ من مجرد انتقاد بسيط, كما وسرعان ما يتغير مزاجه فقد تبكي المرأة من انتقاد بسيط ثم تعود للابتهاج مجددا بشكل سريع عند مصالحتها, ويتميز سلوك المصاب بشكل عام بالدرامية.

5- عدم تقبل الانتقادات هو جزء لا يتجزء من الشخصية الهستيرية بحيث تثير في نفسه مشاعر الحزن والغضب فهو يصدق كل ما يقال عنه سواء كان إيجابيا أو سلبيا, فإن تم إخبار فتاة هستيرية أنها ليست جميلة فهي قد تبكي مصدقة كلام مخاطبها, وإن تم مدحها أيضا ستصدق المديح.

6- الاعتقاد بحميمية العلاقات مع الآخرين, فالشخص الهستيري قد يصف صداقاته على أنها مثالية أو أنه يعيش قصة حب كبيرة مع شخص ما, أو أن تتحدث الفتاة عن أنها أميرة زوجها رغم أن الواقع يكون غير ذلك, فهو يحب أن يظهر للآخرين وأن يعتقد على أنه يعيش حياة مثالية.

7- لعب دور الضحية... وتبقى هذه الأعراض كلها منصبة في قالب الرغبة في لفت الانتباه, فعندما تنصرف الأنظار عن المصاب قد يلعب دور الضحية, قد تحاول الأم المصابة إثارة شفقة الآخرين عن طريق أبنائها فتبكي من مرض بسيط أصاب أحد أبنائها وتبالغ في إظهار مصابها وترغب من الجميع أن يتعاطفوا معها وأن تكون محط اهتمام الآخرين كون ابنها مريضا.

8- السطحية في الحديث, فالمصاب يتحدث عن نفسه ومشاعره بسطحية كبيرة تفتقر للتفاصيل.

9- الشعور بالملل والضجر بسهولة والسعي نحو التغيير.


المآلات: 
قد تبدو للبعض أن هذه الأعراض مجرد أعراض بسيطة ولكنها في واقع الأمر تؤثر بشكل سلبي على علاقة الشخص بالمحيطين به, فقد يواجه المصاب مشاكل عديدة في المحافظة على علاقاته ومساره المهني, وقد يقع فريسة الاكتئاب بسبب مشاعره وفقدانه لانتباه الآخرين, لذا كثيرا ما يلجأ المصاب للنفساني بسبب الاكتئاب وليس بسبب أعراض الاضطراب, وقد يأخذ الأهل ابنتهم المراهقة للنفساني بسبب السوك الدرامي الذي يكون جد مزعج لهم أحيانا.

الأسباب:
تبقى الأسباب مجهولة كأي اضطراب آخر, ولكن التفاسير عديدة وبعضها يحيل للظروف التي نشأ فيها الطفل بصغره فقد يصاب الطفل بالاضطراب بسبب الدلال المبالغ فيه, فالطفل الذي يكون مريضا بصغره مثلا والذي يتلقى عناية مبالغا فيها من الأهل وتلبية كل رغباته وعدم معاقبته على سلوكاته السيئة يكبر ليتعود على أن يكون محط أنظار الآخرين.
وربما هذا ما يفسر انتشار الاضطراب بصفوف النساء, بحيث يتعود بعض الآباء على تدليل أطفالهم الإناث بشكل مبالغ فيه.

العلاج:
لا وجود لأي أدوية من شأنها أن تزيل الأعراض, وقد يصف الطبيب أدوية للمصاب لفترة قصيرة جدا إذا كانت الأعراض شديدة ولكنها لا تحل المشكلة على الأمد الطويل  لذا يقتصر العلاج الدوائي على محاولة السيطرة على اضطرابات الاكتئاب إن وجدت وكذا أعراض القلق.. في حين يتم تقويم السلوك بالسعي نحو العلاج السلوكي المعرفي لتثقيف المصاب وأهله ومحاولة السيطرة على الأعراض وكبحها.

تعليقات

  1. ممتاز جدًا، شكرا لك عزيزي على هذه المقالة الرائعة.

    ردحذف
  2. شكراً لك 💖
    بالتأكيد سيصاب به الكثير من النساء فهن يحببن لفت الانتباه حتى في الظروف الطبيعة " اقصد غير المصابين بالاضطراب"

    ردحذف