عجلة العواطف بنظرية بلوتشيك, ما هي العواطف المركبة؟

بلوتشيك
كم هو عدد مختلف العواطف البشرية حسب علمك؟ هل يمكنك عدّها في ذهنك؟ انهمك العلماء على مر العقود في استخلاص وتصنيف العواطف, ولم يتم الاتفاق على ما يمكن تصنيفه عاطفة وتعريف كل واحدة منها, قام عالم النفس الأمريكي بول إيكمان (1934) في سبعينات القرن الماضي بإجراء دراسة للعواطف عن طريق تمحيص تعابير الوجه الخاصة بكل رد فعل عاطفي, وجد أن هناك تعابير وجه موحدة بين مختلف شعوب العالم لمجموعة من العواطف هي: الغضب والحزن والسرور والخوف والتقزز والتفاجؤ. إننا نشترك حتى مع العديد من الثديات هذه العواطف الرئيسية, يمكن بسهولة تمييزها من خلال لغة جسدها, هذا لأننا نشترك بنفس الجهاز العصبي المتحكم بها:

عواطف الحيوانات
وبالتالي اعتبر إيكمان أن عدد العواطف ستة رئيسية فطرية, بينما بقية العواطف تختلف تعابيرها بالوجه باختلاف الثقافات, ليس هناك تعابير وجه واضحة موحدة بين الشعوب تعبر مثلا عن الاحتقار... قام إيكمان بإضافته كعاطفة رئيسية ولكنه حذفه لاحقا بعد أن اكتشف صعوبات في تمييز تعابير الاحتقار بالوجه بين مختلف الشعوب.

وهذا سيدفعنا للتساؤل كيف تتشكل هذه العواطف غير الرئيسية إذن؟ هل هي عواطف غير فطرية؟  

عجلة بلوتشيك للعواطف:

نشر روبرت بلوتشك (1927- 2006) وهو طبيب نفسي وعالم أمريكي نظريته التي اعتبر فيها أن عدد العواطف التي يختبرها البشر تتجاوز 34 ألف عاطفة...بالله عليك كيف عدّها! 

اقترح بلوتشيك أن العواطف غير الرئيسية ما هي إلا خليط وتركيب بين عاطفتين من العواطف الأولية أو اشتقاق منها لتشكل عواطف جديدة, إن الأمر أشبه بالألوان, هناك ثلاثة ألوان رئيسية فقط: الأحمر والأصفر والأزرق, وكل الألوان بالعالم ما هي إلا مزيج وتدرج لمختلف هذه الألوان الثلاث الرئيسية, وبإسقاط مثال الألوان فإنه يمكننا الحصول انطلاقا من العواطف الرئيسية بسهولة على 34 ألف عاطفة أخرى...  

قام بلوتشيك بتصميم نموذج على شكل عجلة يظهر العلاقات بين مختلف العواطف البشرية, فهناك علاقة تضاد وعلاقة امتزاج وعلاقة تشابه وعلاقة تدرج.

علاقة التضاد بين العواطف:

بدل ست عواطف حدد بلوتشك العواطف الفطرية الرئيسية في ثمان هي السرور والغضب والحزن والخوف والتقزز والتفاجؤ كما عند إيكمان مع إضاف عاطفتين هما الثقة والترقب, وقد اقترح في نظريته أن العواطف الثمان تتشكل في أربع ثنائيات قطبية متضادة, عاطفة ضد عاطفة, حددها في نموذجه البصري على شكل عجلة.

- الترقب مقابل التفاجؤ: أنت عندما تعلم أن حدثا قادما لا محالة فإنك ستكون مترقبا لحصوله عكس الحدث الذي يفاجؤك على حين غفلة.

- التقزز مقابل الثقة: التقزز عاطفة تؤدي للنفور والابتعاد عكس الثقة العاطفة التي تؤدي للإقبال, ستقبل بكل ثقة على تناول طعام الغذاء ببيتك ولكن إذا أبصرت طعاما على رصيف الشارع فإن عاطفة التقزز ستنفرك منه.

 - الغضب مقابل الخوف: آلية القتال أو الفرار...عنما يكون الغضب هو العاطفة المستحوذة فإن الجسد يكون على أتم الاستعداد للمواجهة, عكس إن كانت العاطفة المستحوذة هي الخوف فالجسد مهيأ للهرب من المواجهة.

- السرور مقابل الحزن: لسنا بحاجة لشرح كيف أن الفرح والسرور هو مضاد للأحزان  والهموم, أليس كذلك؟

الامتزاج وكيف تتركب العواطف:

كما علمنا فإن العواطف بالنسبة لبلوتشيك كالألوان, إن الجمع بين عاطفتين رئيسيتين سينشئ لنا عاطفة مركبة جديدة, فالجمع بين السرور والخوف سيعطينا عاطفة الذنب.

 مثال: أشعر بالذنب بعد تعاطي المخدرات = تناول المخدرات باعث للسرور والنشوة + أخاف من عواقب التعاطي.

 هذا مثال فقط! لا يذهب بالك بعيدا! 

حسب النظرية فإنه لا يمكن تركيب عاطفة انطلاقا من عاطفتين متقابلتين كالجمع بين الحزن والسرور, الغضب والخوف, الثقة والتقزز, التفاجؤ والترقب. 

وهنا جدول يبين العواطف الناشئة من الجمع بين عاطفتين رئيسيتين من العواطف الثمان:

العواطف المركبة

قد تبدو لك بعض العواطف بالجدول ليست بعواطف, وهذا صحيح لقد كان بلوتشيك واضحا بخصوص أنه يستخدم مصطلح عاطفة لمختلف الحالات النفسية البشرية المعقدة, والتي من وظائفها الرفع من حظوظ بقاء الكائن على قيد الحياة في مختلف المواقف. فإذا تعرض شخص ما لهجوم من مسلح يريد محفظة نقوده, فإنه قد يبدي ردات فعل مختلفة: 

- قد يشعر بالخوف ويهم بالهرب ليطلق عليه المسلح النار من الخلف = الفناء والذهاب لدار البقاء.

- قد يشعر بالغضب ويهم للقتال ليطلق عليه المسلح النار على رأسه مباشرة = الفناء أيضا.

 - وقد يشعر بالخضوع وينفذ ما يُطلب منه ويمده بمحفظة النقود = البقاء على قيد الحياة ولله الحمد.

 وكما علمنا فإن الخضوع هو مزيج الثقة والخوف, فالشخص يثق بأن اللص يريد فقط المحفظة والخوف من السلاح القاتل سيجعله ينفذ المطلوب, وهكذا فإن الخصوع هي العاطفة المناسبة للموقف...إذن كخلاصة ساهم الخصوع بالبقاء بالكائن على قيد الحياة, وهكذا هي بقية العواطف أو الحالات النفسية التي تعترينا, فهي ليست اعتباطية بل لها وظيفة معينة بالحياة.

تدرج العواطف:

حدة العواطف

قام بلوتشك في عجلة عواطفه بوضع تدرج للألوان للإشارة لتدرج شدة كل عاطفة, فنحن نستشعر العواطف بدرجات متفاوتة الحدة, فقد نشعر ببعض الانزعاج من الذباب المتطاير ونحاول طرده وقد نشعر بغضب جامح من صديق عزيز ونهمّ بضربه, قد نشعر ببعض السرور بعد تناول وجبة لذيذة, وقد نشعر بنشوة عارمة بعد تعاطي الكوكايين ... مثلا يعني! 

وبعيدا عن الأمثلة السخيفة المبتذلة, فإن بلوتشك صنع شكلا مخروطيا ثلاثي الأبعاد يمثل عجلته للإشارة إلى حدة وتدرج العواطف, فرأس المخروط يمثل العواطف الضعيفة في حين أن قاعدته تمثل أقسى درجات شدة العاطفة, وبين الرأس والقاعدة تدرج لهذه العواطف على شكل تدرج للألوان.

مثلا: عاطفة الحزن هناك تدرج لها ففد تشعر ببعض الكدر أي حزن ضعيف, وقد تشعر بغم وهم يفوق مشاعر الحزن العادي أي حزن قوي, وهكذا ستجد أنه في قواميس مختلف اللغات ألفاظ لمختلف تدرجات العواطف, لأننا نستطيع التمييز بين تدرج كل عاطفة حسب الحالة التي تعترينا.

علاقة تشابه بين العواطف:

لو أمعنت النظر إلى مختلف هذه العواطف ستجد أن عددا منها يتشابه فيما بينه وهذا صحيح, فحتى العواطف الرئيسية تتشابه مع بعضها البعض, ولو طلبت منك تجميعها في مجموعات فإنك ستضع السرور مع الثقة في مجموعة واحدة والخوف مع التفاجؤ والغضب مع التقزز...أو يمكن تقسيمها لسلبية وإيجابية أي عواطف بشعور جيد وعواطف بشعور سيء. هذا لأنه ما من حدود فاصلة بالدماغ البشري, والنواقل العصبية والهرمونات التي تلعب دورا في عاطفة من العواطف هي ذاتها تلعب دورا أيضا في عاطفة أخرى مشابهة, كما هو الحال في آلية القتال أو الفرار.


كيف نستفيد من عجلة العواطف؟

حسن! الآن لنتحدث عن كيف يمكن أن نستفيد من هذه العجلة في حياتنا العملية, أحيانا يا صديقي قد يحدث وينتابك شعور أو عاطفة ما وأنت لا تدري لما أو لا تريد أن تشعر على هذا النحو, كأن ينتابك الحسد ولا تريد ذلك, أو التوتر لسبب غير واضح أو بالذنب أو الندم, أو حتى عاطفة مركبة غامضة...

ما عليك فعله هو حمل قلم وورقة وبالاستعانة بالجدول وبعجلة العواطف حاول تفكيك ما تشعر به لوحدات أولية, وتحديد شدة كل عاطفة من هذه العواطف التي تحس بها, وهكذا يمكنك أن تفهم عواطفك جيدا, وبعد مرحلة الفهم ستتمكن في ذهنك من محاولة السيطرة على هذه العواطف بإعادة تنظيم المدارك المعرفية.

لنأخذ مثالا بدل الكلام النظري غير المفهوم:  

- أحدد مشكلتي: (أنا أشعر بخيبة الأمل من نتائجي أشعر وكأن كل شيء يسير من سيء لأسوء أنا ساخط على الوضعية).

- أحدد العواطف وأُجزِّؤُها: السخط تتركب حسب الجدول من التفاجؤ والغضب, الخيبة تتركب من التفاجؤ والحزن.والشعور على أن كل شيء يسير من سيء لأسوء سأبحث عن اسم هذه العاطفة بالجدول لأجد أنها التشاؤم وهي تتركب من الترقب والحزن, إذن هناك أربع عواطف رئيسية لدي هي التفاجؤ والحزن والغضب والترقب.

- أحدد شدة كل واحدة منها: سأنظر للمجسم ثلاثي الأبعاد أو لعجلة العواطف وأحدد شدة هذه العواطف الرئيسية.

- أحلل سبب هذه العواطف: مشاعري إذن هي نتيجة ترقبي لنتائج جيدة وحسنة ولكن حدث العكس وتفاجأت بالأسوء وأنا الآن أشعر بالحزن والغضب...إذن الغضب والحزن ما هما إلا نتيجة التفاجؤ السلبي للترقب الإيجابي, وهذه لا تعد مشكلة لأنه يمكنني إعادة المحاولة مجددا وترقب نتائج أفضل مع وضع احتمال أن تسوء الأمور كي لا أتفاجأ مجددا وأقع فريسة العواطف السلبية, يمكنني التكرار أكثر من مرة في حياتي.

 انتقادات للنظرية: 

ربما تقول لي: قبل قليل أخبرتني كيف أستفيد من النظرية والآن تنتقدها!! لا أدري هل ما سأقوله مطمئن بالنسبة لك أم محبط ولكن في حقيقة الأمر يا صديقي فإن 99.99 بالمائة من النظريات النفسية تعرضت للانتقادات, وفي رواية أخرى 100 بالمائة. الانتقادات هي التي تدفع بالنظريات للتطور أكثر فأكثر, لأنها في آخر المطاف نتاج اجتهاد العقل البشري.

أين الدليل العلمي؟

لم يقدم لنا المرحوم بلوتشيك أي أدلة عن كون أن العواطف الرئيسية تتركب فيما بينها لتكون لنا عواطف جديدة, فما الدليل على أن عاطفة الندم هي مزيح بين عاطفتي الحزن والتقزز؟ وما الدليل على أن الحب هو الثقة والسرور؟ قد أحب شخصا ولا أثق به مطلقا! أم أنني وحدي من يشعر بهذا أحيانا؟

إن تعريف العواطف الرئيسية دقيق للغاية مقارنة مع العواطف المركبة, فالعواطف الرئيسية حظيت بدراسات عدة سواء على مستوى الدماغ أو على مستوى السلوك كملامح الوجه, في حين أن العواطف المركبة صعبة الدراسة لضبابيتها, نحن غير قادرين على عزلها لدراستها.

مقارنة العواطف المركبة والرئيسية
هل الترقب والثقة حقا عاطفتان؟

أنا آسف! ولكن الترقب والثقة لا تعدان عاطفتين رئيسيتين بل حالة نفسية, نحن لا نشعر بالترقب بل نكون في حالة ترقب, الأمر ذاته بالنسبة للثقة, فعندما تثق بشخص ما فإنك قد تثق به طول الوقت وليس لمدة خمس ثوان, أما عاطفة كالتقزز والتفاجأ فهي ردات فعل دماغية لمدة قصيرة من الزمن, تتفاجأ لسماع خبر ما فتتسع عيناك ويرتفع حاجباك لوهلة, أنت لا تجلس اليوم كله متفاجئا بحاجبين مرتفعين: ما الذي حل بك؟ ما الذي حصل لحاجبيك وعينيك؟ لاشيء يا أصدقاء أنا فقط متفاجئ منذ البارحة! لن ينكمش وجهك طول الأسبوع لأنك متقزز من منظر رأيته, لكن عكس ذلك يمكن أن تكون في حالة ترقب اليوم كله والأسبوع كله والعام كله.

العواطف الرئيسية هي ستة فقط تمثل ردات فعل دماغية آنية على حدث محفز.

 هل هناك حقا عواطف متضادة؟

لقد ارتكب بلوتشيك القليل من التعسف لخلق ثنائيات عواطف متضادة, فهل حقا الغضب والخوف متناقضان ولا يوجد عاطفة جامعة بينهما؟ الغيرة مثلا ألا تتضمن الخوف من فقدان الشخص أو الغرض مع مشاعر الغضب اتجاه من يشكل تهديدا؟ 

الطفل يغار من أخيه = الطفل خائف من أن يحل أخاه مكانه + الطفل غاضب من أخيه لهذا ضربه وحطم له رأسه..

ألا يمكن أن نصف الحنين على أنها مزيج بين عاطفتي السرور والحزن معا؟ 

أنت تَحِنّ لأحداث حصلت بالماضي = أنت تسرك أحداث الماضي + حزين من أنها لن تعود. حتى أنه يمكن أن ترتسم ملامح الحزن والسرور على تعابير الوجه في آن واحد, لا؟

تعليقات

  1. أنت لم تدون منذ فترة طويلة. مرحبًا بعودتك :)

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا لك معاذ على الوفاء, ممتن لك.

      حذف
  2. مرحبا أيها الريش الرمادي, سعيد برؤيتك مجددا هنا! نعم معك حق في مسألة القتال أو الفرار فالغضب والخوف كلاهما عاطفتان في مجموعة واحدة تدعى "التوتر".

    ردحذف
  3. انتي ذكي +ليش مختفي ووين انت نشط

    ردحذف