نظرية سيجموند فرويد, الانسجام مع الأنا وعدم الانسجام مع الأنا

انسجام الأنا وعدم انسجام الأنا مصطلحان من مصطلحات علم النفس التحليلي الفرويدي الذي حاول فرويد من خلالهما تفسير حالة الصراع الداخلي و الانسجام التام لدى بعض حاملي الاضطرابات النفسية كالنرجسية.
قسم فرويد النفس البشرية إلى ثلاثة أجزاء هي الهو (Id) والتي تعبر عن الجانب الحيواني فينا وتمثل مختلف الغرائز والرغبات والعواطف الطبيعية, والأنا الأعلى (Super Ego) الذي يمثل مجموع القيم العليا والمبادئ والأخلاق التي نكتسبها في مراحل حياتنا, بينما يعتبر الأنا (Ego) مزاوجة بين الهو والأنا الأعلى وبالتالي فالأنا يعكس الهوية وشخصية الإنسان التي توازن بين الهو والأنا الأعلى.

ما هو الانسجام مع الأنا و عدم الانسجام مع الأنا؟ 
يرى فرويد أن مفتاح الصحة العقلية والنفسية هو الوعي بمختلف الدفاعات النفسية والمحفزات والصراعات التي تدور بين الهو والأنا الأعلى, والتي تمثلها وتعكسها الأنا, لذا يتمحور علم النفس التحليلي الفرويدي على الغوص في أعماق النفس البشرية والبحث عن هذه المحفزات والصراعات والدفاعات لتفسيرها للفرد قصد علاج اضطراباته النفسية.
جميعنا لدينا قيم ومبادئ ورغبات ودوافع ومحفزات إلى نحو ذلك, وفي بعض الأحيان نجد أن بعض المشاعر والأفكار تنسجم تمام الانسجام مع ذواتنا في حين تنتابنا أفكار ومشاعر لا تنسجم مع الأنا فنحاربها رغبة في التخلص منها.

- يقصد بانسجام الأنا أن الشخص يكون في توافق وتناغم مع مفاهيم أناه وذاته متقبلا لمشاعره وسلوكاته وأفكاره وشخصيته وهي بالتأكيد أمر ايجابي إن كانت هذه الأفكار والمشاعر تعكس الواقع  وكانت ذات طبيعة إيجابية, كأن يكون الشخص انطوائيا وهو يعلم أنه انطوائي ولا يجد أي إشكال في كونه انطوائيا, إنه لأمر جيد إذن.

- يقصد بعدم الانسجام مع الأنا أن الشخص يشعر بغربة أفكاره أو مشاعره عنه ولا يتوافق معها ويرغب في إخمادها وتغييرها, كأن يكون الشخص انطوائيا ولكنه دائم البحث عن وصفات بالنت تزيد من قدراته التواصلية ويود لو أنه شخص أكثر اجتماعية وإقداما على محادثة الآخرين.

لكن الانسجام مع الأنا لا يكون ايجابيا في كل الحالات كذا لا يكون عدم الانسجام مع الأنا سلبيا دائما...تخيل معي الآن أن شخصا حسودا ومتناغما مع مشاعره وأفكاره أخبرك أنه يحسد فلانا ويتمنى زوال النعمة عنه, وإذا حاولت أن تناقشه حول كون الحسد مذموما أخبرك أنه لا يجد إشكالا في كونه حسودا.
هذا شخص إذن لديه انسجام تام مع الأنا ومتسامح مع مشاعر الحسد لديه وبالتالي يصعب تغيير رؤيته, وهذا سينطبق حتى على من يستخدم آلية الدفاع النفسي كالحسود الذي ينكر أنه يشعر بالحسد, إذ لو أخبرت شخصا أن يتوقف عن حسد الناس واستحقار إنجازاتهم فإنه على الأرجح سيخبرك أنه لا يشعر مطلقا بالحسد وأنه ينتقد انتقادا موضوعيا لإنجازات الآخرين وأن كلامه منطقي ويمثل الحقيقة, وسيصعب عليك إقناعه بأن كلامه نابع من مشاعر الحسد لأنه يعيش حالة إنكار وكذب على الذات, فالأنا الأعلى لديه تذم الحسد وهو يشعر بالحسد فما كان منه إلا أن كذب على نفسه وأقنعها أنه لا يشعر بالحسد بل يتحدث من منطلق الواقع.

اقرأ عن التنافر المعرفي.

والآن تصور شخصا شعر بالحسد من نجاح زميل له فانتابه عدم انسجام مع هذه المشاعر ولام نفسه على مشاعره وحاول كبتها وإخمادها واعترف بنجاح زميله وهنأه على عمله الدؤوب, إذن عدم الانسجام مع المشاعر السلبية أدى لمحاربتها لدى هذا الشخص.
اضطرابات الانسجام مع الأنا.
لاحظ فرويد في مساره المهني وبعد محاولة علاج عدة حالات  أنها أحيانا تعيش عدم انسجام مع ما يعتريها من مشاعر وأفكار في حين لا ترى حالات أخرى أي مشكل في مشاعرها وأفكارها, بل تلقي باللائمة على محيطها والآخرين.
 وقد انتبه كيف أن حاملي بعض اضطرابات الشخصية يعيشون انسجاما تاما مع الأنا وإنكارا لحقيقة شخصيتهم وأفكارهم غير السوية فهم عاجزون تماما عن لمس مكمن الخلل في شخصياتهم.
ركز فرويد في هذا الشأن على حامل الشخصية النرجسية, إذ ينكر النرجسي أنه نرجسي ويطلق على عجرفته مسمى ثقة عالية بالنفس, واستخفافه واحتقاره للآخرين مسمى قوة وصرامة إذ يحيط النرجسي نفسه بدفاعات نفسية عالية ينكر من خلالها واقع وحقيقة اضطراب شخصيته, لذا وجد فرويد أنه من الصعب ويكاد يستحيل علاج أصحاب الاضطرابات المنسجمة مع الأنا, لأن التركيز يجب أن ينصب حول إقناع المريض أنه مريض أولا قبل علاجه.

من بين اضطرابات الأنا المنسجمة سنجد اضطراب الشخصية النرجسية واضطراب الشخصية شبه الفصامية الذي لا يرى صاحبها أن أفكاره غريبة ومنفصلة عن الواقع, واضطراب الشخصية الوسواسية الذي قد يضيق الخناق على أفراد أسرته وأصدقائه بدعوى الحرص والنظام وهو لا يعلم كون تصرفاته وأفكاره وسواسية, واضطراب الشخصية الشكاكة التي يشك ويرتاب حاملوها من المحيطين بهم وهم على اقتناع تام بمنطقية أفكارهم.
اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع (سيكوباثي وسوسيوباثي) شخص لا يشعر بأي مشاعر بالذنب أو المسؤولية اتجاه تصرفاته وقد يسيء للآخرين وهو مدرك لحجم الأذية التي يسببها لهم ولكنه لا يبالي مطلقا لأنه منسجم مع ذاته.

قد يقع صاحب السلوك الادماني في انسجام مع الأنا فيجلس الشاب أمام لعبة الفيديو يقضي ساعات طوالا من اللعب منكرا كونه مدمنا مدعيا أنه قادر على التوقف عن اللعب متى شاء, في حين أنه لا يفعل أي شيء آخر غير اللعب مهملا حياته وواجباته.
كذا المقامر الذي ينكر حقيقة إدمانه على القمار, وغيرها من السلوكات الادمانية, بل حتى متعاطوا المواد المخدرة يعيشون في حالة انسجام مع الأنا أحيانا وينكرون حقيقة إدمانهم وبالتالي يصعب ويستحيل إقناعهم بالعلاج لأنهم لا يرون أنفسهم مدمنين أصلا.

اضطرابات الأكل, كفقدان الشهية العصابي الذي تمتنع فيه المراهقات عن تناول الطعام بسبب اعتقاد راسخ بأنهن بدينات واللائي يتحولن لهيكل عظمي, هو اضطراب جد منتشر بين مراهقات وشابات العالم الغربي, فالفتاة لا ترى أنها هيكل عظمي مطلقا بل تعتقد أنها تبدو رائعة بمظهرها المرعب, وتصر على أنها تتناول الطعام باعتدال في حين أنها لا تتناول الطعام إلا نادرا, ويكون مصير عدد كبير جدا منهن الموت المحقق, هن منسجمات مع سلوكهن وعاجزات عن رؤية مكمن الخلل بتصرفاتهن وأجسادهن.

انسجام الأنا بهذه الاضطرابات وغيرها يجعل من مهمة الأهل والأصدقاء إقناع الشخص بضرورة العلاج صعبة وحتى أثناء العلاج تكون الاستجابة جدا ضعيفة وفي الغالب لا يستمر المضطرب بتلقي العلاجات لأنه لا يقتنع أبدا بأنه مريض.
ويكون الضحية في الغالب هم المحيطون بالمضطرب الذين يعانون من تصرفاته, في حين تتدمر حياة المضطرب شيئا فشيئا وهو لا يدري أنه السبب بل يلقي باللائمة على الآخرين والظروف.

اضطرابات عدم الانسجام مع الأنا.
بعض الاضطرابات النفسية يعاني أصحابها من غربة أفكارهم وعدم انسجام مع صورة ذواتهم كما هو الحال مع الشخصية التجنبية التي يعاني منها حاملها من مشاعر القلق والخجل من تفاعله مع الآخرين, وهو يرغب في التخلص من مشاعره وأفكاره دون جدوى, أيضا حاملوا اضطرابات الوسواس القهري وعلى عكس أصحاب اضطراب الشخصية الوسواسية (سنتحدث عنه لاحقا) يعانون من وسواسهم ويرغبون في التخلص منه وهم غير منسجمون مطلقا مع مشاعرهم وأفكارهم, في حين اضطراب الشخصية الوسواسية وهو اضطراب آخر لا يرى حامله أنه يوسوس ويبالغ في حرصه ونظامه.

أصحاب بعض السلوكات الادمانية يعانون أيضا من إدمانهم ويرغبون في التخلص من إدمانهم ويعيشون عدم انسجام مع الأنا, فقد يدمن الشاب على ألعاب الفيديو كما بالمثال السابق ولكنه يعلم أنه يضيع ساعات طوالا أمام الشاشة ويرغب في التخلص من إدمانه وحد ساعات لعبه ولكنه يعجز عن ذلك فيقع في دوامة تأنيب الضمير.
وهذا ينطبق على بقية السلوكات الادمانية, فكما قد ينسجم البعض مع إدمانهم يشعر البعض الآخر بعدم انسجام.

حاملوا اضطرابات القلق والفوبيات أيضا يشعرون بأن قلقهم ومخاوفهم غير مبررة ويرغبون في التخلص منها ولكنهم عاجزون عن ذلك.
وغيرها الكثير من الاضطرابات.

وبشكل عام فإن حاملي اضطرابات عدم الانسجام مع الأنا أكثر قابلية للجوء للعلاج ومحاربة أفكارهم ومشاعرهم المزعجة, كما أنهم يعانون في حياتهم أكثر من حاملي اضطرابات الانسجام مع الأنا, لأن الصراع النفسي لديهم شديد وهم في حرب يومية مع اضطرابهم.

ماذا عنك؟
والآن عزيزي القارئ هل لديك أفكار ومشاعر لا تنسجم مع ذاتك والأنا لديك؟ هل يمكنك جرد هذه المشاعر والأفكار؟
هل لديك أفكار ومشاعر سلبية مدمرة وأنت منسجم معها؟ هل سبق وأخبرك الآخرون أن سلوكات أو مشاعر أو أفكار صادرة منك بها خلل وأنكرت أنت ذلك؟
طبعا لا يمكنك رصدها أو تذكرها لأنك منسجم معها ولا ترى خللا فيها, ولكنها تبقى موجودة لدينا جميعا, لا نرصدها نحن بل يرصدها الآخرون فينا ونجد نحن لها مبررات ومسميات أخرى.

تعليقات

  1. غير معرف8/10/2018 12:49:00 م

    مقال جدا رائع شكرا لك!
    قلت جملة في منتهى الغرابة "في حين تتدمر حياة المضطرب شيئا فشيئا وهو لا يدري أنه السبب" كيف تتدمر بالضبط ؟! وكيف تتدمر اصلا وهي متوافقة مع الأنا ؟
    وخاااصةً "المضاد للمجتمع" و النرجسي ؟؟

    ردحذف
    الردود
    1. أهلا بك
      أي اضطراب نفسي كيفما كان له تأثيرات سلبية على حياة الإنسان.
      النرجسي والسيكوباثي علاقته مع الآخرين مضطربة لقد شرحت ذلك في مقالات منفصلة عنهما.
      النرجسي يجد مشاكل في إقامة علاقات سوية مع الآخرين ويعتقد أن المشكل فيهم هم, يتأثر في وسطه المهني وقد يتخلى عن العمل لأسباب غير منطقية كإقامة مشروع فاشل يعتقد هو أنه ناجح لأنه يرى نفسه عبقريا أو يخلق مشاكل وعداواة مع أفراد أسرته بسبب سخريته منهم أو حسده لهم وسلوكاته السيئة ويصير منبوذا من طرف الآخرين ويصاب بخيبات أمل طول الوقت بسبب رفع سقف توقعاته بأنه سينجح في هذا الأمر أو ذاك, أو أن شخصا ما يحبه بشدة لجاذبيته, وغيرها من الاعتقادات...أي أن حياته تسوء وهو لا يعلم لما, فيرى أن الناس تكرهه لأنهم يغارون منه وأن مشاريعه تفشل لأن الآخرين يضعون عقبات في طريقه ولايقدرون مهاراته.
      الأمر ذاته ينطبق على السيكوباثي لأنه يحمل معالم النرجسية أيضا بالاضافة لكون السيكوباثي قد يقع في مشاكل قانونية بارتكابه لمخالفات أو جرائم فينتهي به الأمر بالسجن.

      حذف
  2. انا متصالح مع نفسي من ناحية عدم الشعور بالحزن على الموتى ممكن؟ او ذهاب الاصدقاء بشكل عام بعض الاشخاص يلوموني أني عديم الاحساس لكن انا اشوفها عاديه ماقدر اتحكم بمشاعري واحزن دون سبب


    + ممكن تعطيني بعض الكتب الزينه للقراءه؟

    ردحذف
  3. مقال مشوق فعلا، غريب أنه لم يظهر لي حتى هذه اللحظة!
    أتابعك عن طريق RSS

    ردحذف
  4. غير معرف9/21/2018 03:32:00 م

    أنا لدي حالة عدم إنسجام مع الأنا أياما تأتيني أفكار أو مشاعر غير مريحة و مزعجة أرغب في التلخص منها...مقال رائع

    ردحذف
  5. غير معرف9/21/2018 03:32:00 م

    أنا لدي حالة عدم إنسجام مع الأنا أياما تأتيني أفكار أو مشاعر غير مريحة و مزعجة أرغب في التلخص منها...مقال رائع

    ردحذف
  6. مقال رائع ومدونة اروع ، اعتقد كان لدي اضطراب قلق ايضا لا املك انسجام مع الانا الله يسهل واعالجه شكرا لك وبارك الله فيك

    سأسرق كل شيء هنا اسمحي لي بذلك ،اعتذر مسبقاً

    ردحذف