اضطرابات الشخصية: الشخصية الحدية

اللوحة للرسام السريالي البلجيكي رينيه ماغريت
ما هي اضطرابات الشخصية؟
تحدثنا في موضوع سابق عن الشخصية المضادة للمجتمع (سيكوباثي وسوسيوباثي) وعرّفنا من خلالها مفهوم اضطرابات الشخصية والتي تمسّ مختلف جوانب الشخصية للمضطرب حيث أن الشخص يفكر, يشعر ويتصرف بشكل غير متوقع من طرف إنسان طبيعي, فيؤثر الاضطراب على جوانب عدة من حياة المصاب بشكل سلبي كالتفاعل الغير سليم مع الآخرين, المشاعر السلبية اتجاه الذات, ردات الفعل العاطفية الشاذة في المواقف, وإظهار انفلات في التحكم بالسلوك.
كما وتختلف اضطرابات الشخصية عن بعض الاضطرابات النفسية كالفصام والحالات الذهانية الأخرى كون الوعي والإدراك لا يغيب فيها وبالتالي فإن الشخص يكون واعيا تماما بتصرفاته وسلوكاته وبالتالي متحمّل للمسؤولية.

كما علمنا أن هناك عشرة أنواع لاضطرابات الشخصية تنقسم لثلاثة أقسام:
1- القسم الأول: اضطرابات شخصية ذات سلوك غريب الأطوار وشاذ.
2- القسم الثاني: اضطرابات شخصية ذات سلوك درامي, عاطفي أو غير نظامي.
3- القسم الثالث: اضطرابات شخصية ذات سلوك قلق ومتخوف.

وتندرج الشخصية الحدية في القسم الثاني تماما كالشخصية المضادة للمجتمع.


 ما هي الشخصية الحدية؟
 يواجه الشخص الحدي مشاكل عدة وصعوبات في ضبط عواطفه ومشاعره التي يشعر بها بشكل جد عميق وتدوم لفترة طويلة جدا مقارنة مع الآخرين مما يؤدي لتغيرات حادة بالمزاج واندفاعية وتهور في السلوك, واضطراب في رسم صورة الذات ومفهوم للهوية والقيم وإقامة علاقات غير مستقرة ومشحونة مع الآخرين, وكأغلب الاضطرابات النفسية فإن ملامح اضطراب الشخصية الحدية تظهر بسن جد مبكر من المراهقة لتزدهر بسن الشباب.

بسبب الاضطرابات العاطفية الشديدة التي يواجهها هؤلاء المصابين فإنه للأسف تُسجل حالات محاولات انتحار عديدة بين صفوفهم, حيث يعد اضطراب الشخصية الحدية من بين أهم أسباب الانتحار بين المضطربين نفسيا.
على عكس اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع الذي ينتشر في صفوف الذكور أكثر فإن اضطراب الشخصية الحدية ينتشر في صفوف النساء أكثر بنسبة تقدر حوالي 70 بالمائة من مجموع المصابين, ولا يوجد تفسير واضح للسبب ... ومن بين التفسيرات أن الاضطراب يكون معالمه أكثر وضوحا لدى الإناث بسبب سلوكهن الملاحظ وبالتالي يتم تشخيصه بشكل صحيح عكس الذكور الذي كثيرا ما يتم خلطه باضطرابات أخرى كالاكتئاب وغيره...أو لكون المصابين من الذكور لا يلجؤون لطلب العلاج عكس الإناث, ولكنها تبقى مجرد تخمينات لا تفسّر فعلا حقيقة هذا الاختلاف الاحصائي بين الجنسين.
الأعراض:
 تختلف الأعراض من شخص لآخر ولكن القاسم المشترك بينها السلوكات الاندفاعية والمشاعر المضطربة العميقة ومنها:

 1- محاولات محمومة لتجنّب الفقد, حيث أن المصاب يحاول جاهدا أن يحافظ على علاقته مع الأشخاص الذين يحبهم من أفراد أسرته أو أصدقائه وأحيانا تصير محاولاته مزعجة للمحيطين به وغير مبررة, فقد تحاصر الفتاة المراهقة مثلا المصابة بهذا الاضطراب بالمدرسة صديقتها وتحاول الاستحواذ عليها, كما أن لديهم هواجس في أن يصيروا أشخاصا غير مرغوب فيهم.

2- وللمفارقة فإن العلاقات الرومانسية مع الشخصية الحدية لا تدوم بسبب المزاجية الشديدة التي تجعل المصاب في علاقاته يتراوح بين الشخص المثالي إلى الشخص السلبي, فلأن اختبارهم للمشاعر يكون شديدا ويدوم طويلا فإنهم يعبّرون عن حبهم ويتصرفون بشكل جد حسن مع من يحبونه في حالات السعادة وعند تعرضهم لخيبة أمل طفيفة فإنهم لا يتقبلون هذا الشخص وتصرفه ويظهرون غضبا أو حزنا مبالغا فيه.

3- تتقلب مشاعر ومزاجية الشخص الحدي بوتيرة سريعة بحيث قد يشعر بالحزن والكآبة دون سبب أو بسبب غير واضح.

4- نوبات من الغضب الشديد التي لا تتوافق شدتها مع الحدث والتي تدفع الشخص على الاتيان بتصرفات يندم عليها أو يخجل منها لاحقا.

5- اضطراب بالهوية والقيم والنظرة للذات وتشوش بالأهداف, حيث لا تكون صورة الذات واضحة للمصاب وقد يختبر أحيانا مشاعر الانفصال عن الواقع أو تبدد الشخصية كالخروج من الجسد وغيرها... وتؤرقه أفكار حول من يكون تحديدا وحول ما يرغب فيه فعلا من هذه الحياة, وقد يجد مشكلة في النظر للمرآة حتى. 

6- قد يترافق هذا الاضطراب بالاكتئاب أو اضطراب القلق وفي بعض الأحيان بعض الاضطرابات الذهانية (بارانويا) كجنون الارتياب أو الاضطهاد التي قد تدوم لفترات قصيرة أو فترات مطولة.

7- الشعور بالفراغ والملل القاتل وأن لا جديد بالحياة.

8- بسبب هذه العواطف المضطربة فإن المريض قد يتصرف تصرفات طائشة كتعاطي المخدرات والسكر العلني أو السياقة بشكل متهور أو حتى إقامة علاقات جنسية بشكل لامسؤول بالنسبة لمن ظروفه وقيمه تسمح بذلك كأن يكون رجلا أو امرأة تعيش بمجتمع غربي مثلا وعكس المصاب بالهوس الشديد فإن الشخص الحدي واع تماما ومتحمّل للمسؤولية.

9- وقد تدفع هذه المشاعر والأفكار الشخص لأذية نفسه أحيانا, سواء بجرح نفسه بشفرة الحلاقة, أو حرق يده أو حتى محاولة الانتحار.

الأسباب:
 كحال جل الأمراض المزمنة يبقى سبب اضطراب الشخصية الحدية مجهولا ولكن الدراسات تشير إلى رابط جد قوي بين التعرض لسوء المعاملة أو الإهمال بالطفولة المبكرة وبين تطوير اضطراب الشخصية الحدية, لذا فإن عددا كبيرا من أصحاب هذه الشخصية الحدية عانوا في طفولتهم من صدمة أو سوء معاملة أو إهمال من طرف من يجدر بهم حمايتهم ورعايتهم.

العلاج:
 للأسف فإنه لا يوجد علاج لاضطرابات الشخصية بشكل عام, إلا أن اضطراب الشخصية الحدية وبسبب الأعراض الشديدة المرافقة له فإن تركيز الطبيب يتمحور حول علاج هذه الأعراض, كاضطرابات القلق والاكتئاب والاضطرابات الذهانية  وذلك عن طريق الأدوية, في حين لا يوجد أي دواء من غايته تغيير أسلوب تفكير المرء كالشعور بالفراغ أو الفقد أو هوية الذات المضطربة,  لذا يتم اللجوء للعلاج السلوكي المعرفي للسيطرة على مثل هذه الأفكار بالتثقيف والمحادثات مع المريض, ليفهم المريض ما يعاني منه ويكتسب بعض المعارف حوله والمهارات للسيطرة على مثل تلك الأفكار وفعلا يمكن السيطرة عليها بشكل كبير جدا والتعايش مع المرض.

مشاهير اضطراب الشخصية الحدية:
تضم قائمة مشاهير اضطراب الشخصية الحدية بويكيبيديا فنانين ورياضيين وسياسيين وإعلاميين وحتى مجرمين.
لا يحول الاضطراب دون الإبداع والعمل والوصول للأهداف ويمكن بالسيطرة على الأعراض العيش بشكل طبيعي وممارسة الحياة وتكوين أسرة وإقامة علاقات جيدة غير مضطربة مع الآخرين.
بسبب الاندفاعية ونوبات الغضب واختبار المشاعر بعمق سواء إيجابية كانت أم سلبية, وبسبب عدم وضوح القيم فإن اضطراب الشخصية الحدية على غرار اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع يمكن لصاحبها أن يتورط في ارتكاب بعض الجرائم التي تتراوح من جنح بسيطة لجنايات كالقتل, وكثيرا ما يتم تجسيد هذه الشخصية بالدراما العربية أو الأجنبية.
طبعا المصاب باضطراب الشخصية الحدية مسؤول كامل المسؤولية عن أفعاله ولا يمكن أن يكون الاضطراب عذرا لارتكاب أي جرم مهما كان.

تعليقات

  1. معلومات قيمة حول هذا الاضطراب! شكرًا جزيلًا لك.

    ردحذف
  2. في الحقيقة انا متعجب في طريقة كلامك و اسلوبك في التعبير ولكن الاهم من هذا لاحظت انك شخص يقض في حياته وتعرف كيف تفرق بين متعتك الخاصة والتزاماتك في حياتك الشخصية

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا لك على كلامك الطيب :)
      الأمر طبيعي لأنني في مرحلة عمرية تتطلب مني ذلك.

      حذف
  3. لماذا المصاب باضطراب الشخصية الحدية مسؤول كامل المسؤولية عن أفعاله ولا يمكن أن يكون الاضطراب عذرا لارتكاب أي جرم مهما كان رغم أنه مريض؟

    ردحذف
    الردود
    1. لأن مرضه لا يحجب إدراكه,
      فالشخص يكون مدركا بشكل كامل لما يفعل ومسؤول.
      فلو افترضنا شخصا حديا شعر بغضب جامح فحمل سكينا وقتل غريمه فإن الغضب الجامح ليس عذرا له, لقد كان مدركا لما يفعل.
      قد تشعر المرأة الحدية بغيرة شديدة على زوجها فتهاجم زميلته بالعمل, الغيرة الشديدة هنا ليست عذرا.
      الشخصية الحدية تختبر المشاعر والعواطف بعمق كبير ولكنها ليست عذرا لارتكاب أفعال جرمية.

      حذف
  4. و كأنني اقرأ وصف لشخصية INFP

    ردحذف
    الردود
    1. لا ابدا
      انا infp وهذه الصف ما ينطبق علي

      حذف
  5. هل ممكن المصاب هذا الاضطراب يتحكم بافعاله ممكن يشعر بالغضب او ممكن يحس انه يكره احد وفي وقت ثاني يحبه فجاه لكن لايظهر ذلك؟ او لازم يظهر

    ردحذف